شتاء إلى صيف حتى يمر بهم فصل الربيع ولا من صيف إلى شتاء حتى يمر بهم فصل الخريف، ولما ذكرنا من توسطه كانت ملوك سوالف الأمم تحله إذ كان نسبة الملك إلى المملكة التي هو عليها نسبة القلب إلى البدن الذي هو فيه فكما كان الله عز وجل بلطيف حكمته لما * خلق القلب أشرف الأعضاء أحله من البدن أوسطه كانت هذه سبيل الملك فيما يسكنه من مملكته وكانت قدماء الملوك تقول الملك الأعظم مركز لدائرة ملكه بعده من محيطها بعد واحد وتد مركوز وعلم منشور منه يستمد التدبير، واليه ترد الأمور. ولذلك يقال ان الملك الأعظم والمدبر الأكبر ينبغي أن يكون منزله الواسطة من هذا الإقليم وهو الرابع، والعراق أشرف المواضع التي اختارتها ملوك الأمم من النماردة وهم ملوك السريانيين الذين تسميهم العرب النبط ثم ملوك الفرس على طبقاتهم من الفرس الأولى إلى الساسانية وهم الأكاسرة وهي حيث تلتقي دجلة والفرات وما قرب من ذلك، وهي من السواد البقعة التي حدها الزابي فوق سر من رأى مما يلي السن وتكريت وناحية حلوان مما يلي الجبل وهيت مما يلي الفرات والشأم وواسط من أسفل دجلة والكوفة من سقى الفرات إلى بهندف وبادرايا وباكسايا وهي بالنبطية ترقف من ارض جوخي، وهذه الأرض هي لب ايرانشهر التي تفانت عليها ملوك الأمم فكان اختيارهم بفضل آرائهم، المصيف بالجبال ليسلموا من سمائم العراق وكثرة ذبابه وهوامه، والمشتى بالعراق ليسلموا من زمهرير الجبل وكثرة ثلوجه وأمطاره ووحوله وأقذاره وقد كان أبو دلف القاسم بن عيسى العجلي يفعل ذلك، فقال مفتخرا به في كلمة له طويلة إني امرؤ كسروي الفعال * أصيف الجبال وأشتو العراقا وألبس للحرب أثوابها * وأعتنق الدارعين اعتناقا
(٣٣)