وقال هدبة العذري وهو يومئذ بالمدينة مسجونا ألا ليت الرياح مسخرات * بحاجتنا تباكر أو تؤوب فتخبرنا الشمال إذا اتتنا * وتخبرنا أهلنا عنا الجنوب وقال آخر أتاني نسيم من صبا بتحية * فحملت مثليها نسيم دبور * قال المسعودي: والرياح محدودة بحسب الآفاق تكون الآفاق اثنى عشر أفقا والرياح كذلك فالشمال بالحقيقة هي التي تجئ من القطب الظاهر والجنوب من القطب الخفي والصبا من مشرق الاعتدال والدبور من مغرب الاعتدال الا ان الناس لما لم يبن * لهم في رأى العين تحديد هذه نسبوا كل ريح تأتى من ناحية المشرق سواء كان من مشرق الاعتدال أو من مشرق الصيفي أو الشتوي أو ما بينهما بعد أن تكون من المشرق إلى الصبا وكذلك فعلوا في الدبور واحتذوا ذلك في الشمال. فسموا كل ريح تأتى من جانب القطب الظاهر وما يليه من جانبيه الشمال وكذلك فعلوا بالجنوب أيضا فاما الريح التي تسمى ببلاد مصر المريسية مضافة إلى بلاد مريس من أوائل ارض النوبة في أعالي النيل وهو صعيد مصر فهي باردة تقطع الغيوم وتصفى الهواء وتقوى حرارة الأبدان، وما يهب من أسفل النيل من الريح ويسمى أسفل الأرض فهي شمال وتفعل اضداد هذه الأفعال من تختير الأبدان وأهل مصر يسمونها البحرية وتداومها في الصيف يطيب هواءهم ويبرد ماءهم في الليل والنهار فقد تفعل ذلك الريح الغربية في هذا الفصل إلا ان الأغلب في ذلك الشمال، ويقع الوباء إذا دامت المريسية بمصر، كما يقع الوباء بالعراق إذا دامت الريح في أيام البوارح والشمال عندنا ببغداد تهب من أعالي دجلة مما بلى سر من رأى وتكريت وبلاد الموصل فتقطع السحاب وأيام هبوب المريسية بمصر مقابلة لأيام البوارح
(١٧)