فخرجت إلى باب الحلبة، فقال لي قائل: إلى أين تمشي؟! ودفعني دفعة خررت منها، وقال: ارجع فإن للناس فيك منفعة. قلت: أريد سلامة ديني. قال: لك ذاك - ولم أر شخصه -. ثم بعد ذلك طرقتني الأحوال، فكنت أتمنى من يكشفها لي، فاجتزت بالظفرية (1)، ففتح رجل داره، وقال: يا عبد القادر، أيش طلبت البارحة؟ فنسيت، فسكت، فاغتاظ، ودفع الباب في وجهي دفعة عظيمة، فلما مشيت ذكرت، فرجعت أطلب الباب، فلم أجده، قال: وكان حمادا الدباس، ثم عرفته بعد، وكشف لي جميع ما كان يشكل علي، وكنت إذا غبت عند لطلب العلم وجئت، يقول: أيش جاء بك إلينا، أنت فقيه، مر إلى الفقهاء، وأنا أسكت، فلما كان يوم جمعة خرجت مع الجماعة في شدة البرد، فدفعني ألقاني في الماء، فقلت: غسل الجمعة، باسم الله، وكان علي جبة صوف، وفي كمي أجزاء، فرفعت كمي لئلا تهلك الاجزاء، وخلوني، ومشوا، فعصرت الجبة، وتبعتهم، وتأذيت بالبرد كثيرا، وكان الشيخ يؤذيني ويضربني، وإذا جئت يقول: جاءنا اليوم الخبز الكثير والفالوذج، وأكلنا وما خبأنا لك وحشة عليك، فطمع في أصحابه، وقالوا: أنت فقيه، أيش تعمل معنا؟ فلما رآهم يؤذونني، غار لي، وقال: يا كلاب لم تؤذونه؟ والله ما فيكم مثله، وإنما أوذيه لأمتحنه، فأراه جبلا، لا يتحرك، ثم بعد مدة، قدم رجل من همذان يقال له: يوسف الهمذاني، وكان يقال: إنه القطب، ونزل في رباط، فمشيت إليه، فلم أره، وقيل لي: هو في السرداب، فنزلت إليه، فلما رآني قام، وأجلسني، ففرشني، وذكر لي جميع أحوالي، وحل لي المشكل علي، ثم قال لي: تكلم على الناس، فقلت: يا سيدي، أنا رجل
(٤٤٦)