الشيخ عمر الهنتاتي (1) صادف عبد المؤمن، فحدثه ووانسه، وقال: إلى أين تسافر؟ قال: أطلب العلم. قال: قد وجدت طلبتك. ففقهه، وصحبه، وأحبه، وأفضى إليه بأسراره لما رأى فيه من سمات النبل، فوجد همته كما في النفس، فقال ابن تومرت يوما لخواصه: هذا غلاب الدول.
ومضوا إلى جبل تينمل (2) بأقصى المغرب، فأقبل عليهم البربر، وكثروا، وعسكروا، وشقوا العصا على ابن تاشفين، وحاربوه مرات، وعظم أمرهم، وكثر [ت] جموعهم، واستفحل أمرهم، وخافتهم الملوك، وآل بهم الحال إلى الاستيلاء على الممالك، ولكن مات ابن تومرت قبل تمكنهم في سنة أربع وعشرين وخمس مئة. وكانت وقعة البحيرة بظاهر مراكش بين ابن تاشفين صاحب المغرب وبين أصحاب ابن تومرت في سنة إحدى وعشرين، فانهزم فيها الموحدون، واستحر بهم القتل، ولم ينج منهم إلا نحو من أربع مئة مقاتل، ولما توفي ابن تومرت كتموا موته، وجعلوا يخرجون من البيت، ويقولون: قال المهدي كذا، وأمر بكذا، وبقي عبد المؤمن يغير في عسكره على القرى، ويعيشون من النهب، وضعف أمرهم، وكذلك اختلف جيش ابن تاشفين الذين يقال لهم: المرابطون، ويقال لهم: الملثمون، فخامر منهم الفلاكي من كبارهم، وسار إلى عبد المؤمن، فتلقاه بالاحترام، واعتضد به، فلما كان بعد خمسة أعوام أفصحوا بموت ابن تومرت، ولقبوا عبد المؤمن أمير المؤمنين، وصارت حصون الفلاكي للموحدين، وأغاروا على نواحي أغمات والسوس الأقصى، واستفحل بهم البلاء.