ونزل بنا مستأمنا، لا تتحدث عنا القبائل أنا قتلنا ضيفنا، ثم انتبه وقام، فقبلوا رأسه، وقال للحاجب: أين نحن؟ قال: بين أهلك وإخوانك. قال: هاتوا دواة، فكتب لكل منهم بخلعة ومال وأفراس وخدم، وأخذ معه غلمانهم لقبض ذلك، وركب، فمشوا في خدمته. لكن أساء كل الإساءة، طلبهم بعد أشهر لوليمة، فأتاه ستون منهم، فأكرمهم، وأنزلهم حماما، وطينه عليهم سوى معاذ، وقال لمعاذ: لم ترع، حضرت آجالهم، ولولاك، لقتلوني، فإن أردت أن أقاسمك ملكي، فعلت، قال: بل أقيم عندك، وإلا بأي وجه أرجع، وقد قتلت سادات بني برزال، فصيره من كبار قواده، وكان من كبار قواد المعتمد.
وحكى عبد الواحد بن علي في " تاريخه " (1) أن المعتضد ادعى أنه وقع إليه المؤيد بالله هشام بن الحكم المرواني، فخطب له مدة بالخلافة، وحمله على تدبير هذه الحيلة اضطراب أهل إشبيلية عليه، أنفوا من بقائهم بلا خليفة، وبلغه أنهم يتطلبون أمويا، فقال: فالمؤيد عندي، وشهد له جماعة بذلك، وأنه كالحاجب له، وأمر بالدعاء له في الجمع، ودام إلى أن نعاه للناس سنة خمس وخمسين وأربع مئة، وادعى أنه عهد إليه بالخلافة.
وهذا هذيان، والمؤيد هلك سنة نيف وأربع مئة، ولو كان بقي إلى هذا الوقت، لكان ابن مئة سنة وسنة (2).