فبكت، وقالت: أنت هو والله، لقد كان أبي يبكي، ويقول: اللهم ارزق بنتي مثل الذي رد العقد علي، وقد استجاب الله منه، ثم ماتت، فأخذت العقد والميراث، وعدت إلى بغداد (1).
وحكى عن نفسه قال: كان عندنا بالظفرية دار، كلما سكنها ناس أصبحوا موتى، فجاء مرة رجل مقرئ، فاكتراها، وارتضى بها، فبات بها وأصبح سالما، فعجب الجيران، وأقام مدة، ثم انتقل، فسئل، فقال: لما بت بها، صليت العشاء، وقرأت شيئا، وإذا شاب قد صعد من البئر، فسلم علي، فبهت، فقال: لا بأس عليك، علمني شيئا من القرآن، فشرعت أعلمه، ثم قلت: هذه الدار، كيف حديثها؟ قال:
نحن جن مسلمون، نقرأ ونصلي، وهذه الدار ما يكتريها إلا الفساق، فيجتمعون على الخمر، فنخنقهم، قلت: ففي الليل أخافك، فجئ نهارا، قال: نعم، فكان يصعد من البئر في النهار، وألفته، فبينما هو يقرأ، إذا بمعزم في الدرب يقول: المرقي من الدبيب، ومن العين، ومن الجن، فقال: أيش هذا؟ قلت: معزم، قال: اطلبه، فقمت وأدخلته، فإذا بالجني قد صار ثعبانا في السقف، فعزم الرجل، فما زال الثعبان يتدلى حتى سقط في وسط المندل، فقام ليأخذه ويضعه في الزنبيل، فمنعته فقال: أتمنعني من صيدي؟! فأعطيته دينارا وراح، فانتفض الثعبان، وخرج الجني، وقد ضعف واصفر وذاب، فقلت: مالك؟
قال: قتلني هذا بهذه الأسامي، وما أظنني أفلح، فاجعل بالك الليلة، متى سمعت في البئر صراخا، فانهزم. قال: فسمعت تلك الليلة