العبادات والنوافل والاذكار والاجتهاد طلبا للنجاة، إلى أن جاز تلك العقاب، وتكلف تلك المشاق، وما حصل على ما كان يرومه.
ثم حكى أنه راجع العلوم، وخاض في الفنون الدقيقة، والتقى بأربابها حتى تفتحت له أبوابها، وبقي مدة في الوقائع وتكافؤ الأدلة، وفتح عليه باب من الخوف بحيث شغله عن كل شئ، وحمله على الاعراض عما سواه، حتى سهل ذلك عليه، إلى أن ارتاض، وظهرت له الحقائق، وصار ما كنا نظن به ناموسا وتخلقا، طبعا وتحققا، وأن ذلك أثر السعادة المقدرة له.
ثم سألناه عن كيفية رغبته في الخروج من بيته، والرجوع إلى ما دعي إليه، فقال معتذرا: ما كنت أجوز في ديني أن أقف عن الدعوة، ومنفعة الطالبين، وقد خف (1) علي أن أبوح بالحق، وأنطق به، وأدعو إليه، وكان صادقا في ذلك، فلما خف أمر الوزير، وعلم أن وقوفه على ما كان فيه ظهور وحشة وخيال طلب جاه، ترك ذلك قبل أن يترك، وعاد إلى بيته، واتخذ في جواره مدرسة للطلبة، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن، ومجالسة ذوي القلوب، والقعود للتدريس، حتى توفي بعد مقاساة لأنواع من القصد، والمناوأة من الخصوم، والسعي فيه إلى الملوك، وحفظ الله له عن نوش أيدي النكبات.
إلى أن قال: وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث، ومجالسة