واستمر بسرور واندهاش قائلا: (أو ليس مما يثلج الصدر ويبهج النفس إن يكون علماء الحديث قد سبقوا الغرب في هذا أيضا فنوهوا به).
فهذا تنوية لا يحس من عرف طريقة القوم أنه مبالغ فيه، بل هو أنصاف للمحدثين ومن نهج نهجهم. لكن لا نطلق العنان لاعطائهم أكثر من حقوقهم، فقد أحسنوا وأجادوا لم يستوعبوا القواعد المنهجية أو يسيروا على خط مستقيم موحد.
وبعد، فهذه نماذج من التعديل والتجريح ثابتة بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين والأدلة على ذلك كثيرة لا يتسع المقام لتعدادها وبسطها سيما وقد أختص بالتأليف في ذلك جهابذة علماء التعديل والتجريح طيلة مختلف العصور، منذ نشأة هذا العلم إلى يومنا هذا، فصنفوا في ذلك المصنفات الكثيرة، وتحروا واعتنوا أيم اعتناء بتحقيق رواية الحديث وتوثيق رواته ونقد سنده ومتنه. فتطور هذا العم وازدهر، وحفظت السنة من الغلط والزلل، وكان الرواة من المسلمين عرب وغير عرب، شديدي الحرص على صدق النقل فيما يروون، وتحرجوا بين موقفي الاقدام على الرواية والاحجام عنها، فسلكوا أنجع السبل وأسلمها وهو رواية الأحاديث الصحيحة عن العدول الضابطين، وتحاشي الضعيفة عن الضعفاء والبحث في أحوال الرجال.
مشروعية الجرح والتعديل:
تعددت آراء العلماء في حكم الجرح والتعديل، فاعتبره أبو الوليد الباجي (474 ه / 1081 م) من قبيل الجائز حيث قال:
(باب في جواز الجرح وانه ليس من باب الغيبة المنهي عنه، وانما هو من الدين)) فتعبيره بالجواز يقتضي إن يكون حكم الجرح الإباحة، ولكنه عقب على ذلك قائلا: (وانه ليس من باب الغيبة المنهي عنه). ثم أضاف: (وانما هو من الدين). وهذه العبارة تقتضي أنه يتجاوز الإباحة إلى الندب أو الوجوب، غير أنه لم يصرح بأحدهما.