وإذا كان لعهد الصحابة طابع خاص في الجرح والتعديل من تحديث بعضهم عن بعض، وعدم اتهام بعضهم لبعض مثل ما مر بنا مع البراء بن عازب، وأنس بن مالك، فيتغير الوضع مع التابعين وتابعي التابعين.
قال البخاري: (حدثنا موسى قال: قال أبو عوانة: كل شئ حدثتك فقد سمعته).
فهذه منهم جديد يتسم به عهد التابعين ومن جاء بعدهم، فقد ألزموا أنفسهم إن لا يتحدثوا عن محدث الا إذا سمعوا منه دون تدليس. وهو ما نلتزم به ونلزم طلابنا اليوم في منهجية البحث العلمي من اقتباس النصوص من المؤلفات التي وقفنا عليها وأخذنا منها مباشرة أو بواسطة كتاب آخر إذا لم تطلع على الأصل، مصرحين بالمنقول عنه مع عزو النص إلى قائله.
قال علي جواد الظاهر: (لم يكن تاريخ العرب ليخلو من مادة المنهج، وحسبك إن تذكر أهل الحديث).
ورلط أسد رستم في مصطلح تاريخ بين منهجية البحث العلمي المعاصر ومنهجية المحدثين التي جعل منها مادة صالحة للمنهجية الحديثة فقال في بداية تأليفه هذا الكتاب: (اضطررت إن ارجع إلى مصطلح الحديث لسببين:
أولهما: الاستعانة باصطلاحات المحدثين والثاني ربط ما أضعه أول مرة في اللغة العربية بما سبق تأليفه في عصور الأئمة المحدثين) وقال عن قاعدة من القواعد: (عرفها علماء الحديث قرونا عديدة وعملوا بها قبل إن يدرك فائدتها وينوه بصحتها ويحبذ العمل لها المؤرخون الحديثون إن في أوروبة أو في غيرها من مراكز العلم الحديث)