ومذهب الخطيب مذهب سليم يتواءم مع ما سيأتي من وجوب التعديل والتجريح بالكتاب والسنة، حتى لا ندع مجالا لا تنهاك حرمات الله ورسوله وضياع حقوق المؤمنين بالسكوت عن ذلك من قبيل شهادة الزور وكتمان العلم لقوله تعالى:
(فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة). وقوله صلى الله عليه وسلم: (من سئل عن علم فكتمه ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من كذب علي فيتبوأ مقعده من النار) فالامر بالتبيين في الآية الكريمة، والنهي عن الكتمان والكذب دفعة واحدة في الحديثين معا، لها أهمية كبرى.
قال أبو بكر الخطيب: (فوجب بذلك النظر في أحوال المحدثين والتفتيش عن أمور الناقلين احتياطا للدين، وحفظا للشريعة من تلبيس الملحدين). فأنت إذا التزمت بما تضمنته الآية من الامر بالتبيين، والحديث الأول من النهي عن الكتمان والثاني من التحري من الكذب، وجدت نفسك مضطرا للبحث الأول من النهي عن الكتمان والثاني من التحري من الكذب، وجدت نفسك مضطرا للبحث عن أحوال من تروي عنه لتميز بين العدول وغيرهم من مختلف الطرق، حتى يتبين لك أن ما رويته صدقا فتبلغه غيرك وأنت مطمئن على نفسك من عاقبة اثم الكتمان والكذب طرا.
وخلاصة القول: أن حكم التعديل والتجريح من قبيل الواجب لا غير. ونحن عندما رأينا التردد باديا بين العلماء في حكمه بين الجائز والبدعة الواجبة، والواجب المحض، استشهدنا على وجوبه بالكتاب والسنة مصداقا لقوله تعالى: (يا أيها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر، ذلك خير وأحسن تأويلا).
فكتاب الله وسنة رسوله يفصلان فيما اختلف فيه الأئمة الاعلام كل حسب اجتهاده. و (لله الامر من قبل ومن بعد) وهو حسبنا ونعم الوكيل.