شخصية الباجي من خلال كتاب التعديل والتجريح كان الغرب الاسلامي منذ افتتاح الأندلس متطلعا لمبتكرات الشرق، يتلقفها قبل انتشارها بين المشارقة أنفسهم آنئذ، وانقسام الأندلس في مطلع القرن الخامس إلى دويلات، وتنافس ملوك الطوائف فيما بينهم من جهة، وفما بينهم وبين ملوك النصارى من الإسبان من جهة ثانية، لم يحط من الازدهار الثقافي، بل دفع به إلى التطور والتبلور، وكان الباجي في طليعة المستوعبين لثقافة عصره، وما سبقة من العصور، ولم تؤثر عليه الفتن السياسية والاجتماعية التي نشأ في محيطها، وعايشها حتى مات رحمه الله.
والمادة التي تناولها في التعديل والتجريح موضوعية ومركزة، عالجها بطريقة لا تشعر بالملل، تدلنا على إن الرجل خبر معارف زمانه، مطلع على ما كتب في رجال البخاري، شيوخا ورواة، كان يختار نخبة الكتب المهمة بانتقاء، ويتفاعل معها، ويناقش مؤلفيها، كابن أبي حاتم، وابن عدي، والدار قطني والكلاباذي، وابن البيع، يوهم الرجل تارة، ويزكيه أخرى بلطف وبراعة واقتدار، يحسن التصرف، ويدقق النظر، ويبرز النتائج المتوخاة بصبر وأناة، يتدخل بالشرح أحيانا، ويناقش الآراء ويرد عليها أحيانا أخرى، يرفض ويرجح رأيا، ويدلل على صحته، اذن، كانت له شخصيته الخاصة والتي برزت في ثنايا كتابة.
قيمة الكتاب:
لكتاب التعديل والتجريح قيمة عليمة تدعو إلى الاعجاب والتقدير، فبنظرة خاطفة يبدو لأول وهلة أنه كتاب عادي يمكن إن نستغني عنه بمؤلفات التراجم المتنوعة في رجال سند الحديث التي سبقته والتي تلته، كطبقات ابن سعد، ومؤلفات يحيى ابن معين، وعلي ين المديني، وتواريخ: خليفة بن خياط، والبخاري، وابن أبي خيثمة، وأبي زرعة الدمشقي، والنسائي، والنسائي، وابن عقدة، والدولابي، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن عدي، والدارقطني، وابن البيع، والخطيب