كيف وإن العلة القاصرة غير مستقلة بتعريف انتفاء الحكم في الفرع، إلا مع ضميمة انتفاء علة غيرها، وانتفاء النص والاجماع بخلاف العلة المتعدية في طرف الاثبات، فما استقل بالتعريف يكون أولى مما لا يستقل.
نعم قد يتوقف العمل بالعلة المثبتة على انتفاء المعارض، لا أن انتفاء المعارض من جملة المعرف، ولا الداعي، بخلاف ما تتوقف عليه العلة القاصرة في تعريفها نفي الحكم في الفرع. والعمل بما هو معرف بنفسه من غير توقف في تعريفه على غيره أولى.
وعلى هذا يكون الحكم إن كان الوصف المتعدي راجحا في جهة اقتضائه أولى، والوصف المتعدي وإن توقف استقلاله على إخراج القاصر عن التعليل، فليس إخراج القاصر موقوفا على استقلال المتعدي، ليلزم الدور، لجواز اتفاقهما في إخراجهما عن التعليل، كيف وإنه مقابل بدور آخر حيث إنه يتوقف إدخال القاصر في التعليل على عدم استقلال المتعدي، وكذلك بالعكس.
وأما إن كان المتعدي مرجوحا في جهة اقتضائه بالنسبة إلى الوصف القاصر، فالوصف القاصر أولى، نظرا إلى المحافظة على زيادة المناسبة المعتبرة بثبوت الحكم على وفقها، والنظر إليها، وإن أوجب إهمال فائدة المتعدية، أولى، لما فيه من زيادة المصلحة وصلاح المكلف وما يتعلق به من زيادة التعقل وسرعة الانقياد في ابتداء ثبوت الحكم، لأنه الأصل في كون الحكم معللا.
وفائدة التعدية إنما تعرف بعد تعرف تعليل الحكم بما علل به، بنظر ثان متأخر عن النظر فيما علل به الحكم في الأصل، ولا شك أن ما هو أشد مناسبة للحكم يكون أسبق إلى الفهم بالتعليل للحكم الثابت في الأصل، فكان التعليل به أولى.
وإن كانت جهة التساوي والأرجحية غير معلومة ولا ظاهرة، فالتعليل بالمتعدي أولى، نظرا إلى أن العمل به أولى على تقدير أن يكون مساويا، وعلى تقدير أن يكون راجحا.
وإنما يمتنع العمل به على تقدير أن يكون مرجوحا في نفس الامر.
ولا يخفى أن العمل بما العمل به يتم على تقدير من التقديرين أولى مما لا يتم العمل به إلا على تقدير واحد بعينه.