فإن قال المعترض فقد انتقض الدليل الذي دللت به على وجود العلة، لا يكون مسموعا لكونه انتقالا من النقض على نفس العلة إلى النقض على دليلها.
وذلك، كما لو قال الحنفي في مسألة تبييت النية وتعيينها، أي بمسمى الصوم، فوجب أن يصح كما في محل الوفاق، ودل على وجود الصوم، بقوله: إن الصوم عبارة في الامساك مع النية، وهو موجود فيما نحن فيه.
فقال المعترض: هذا منتقض بما إذا نوى بعد الزوال.
وإن قال المعترض للمستدل: ابتداء أمرك لا يخلو من حالين، إما أن تعتقد وجود الصوم في صورة النقض، أو لا تعتقده.
فإن كان الأول، فقد انتقضت علتك، وإن كان الثاني فقد انتقض ما ذكرته من الدليل على وجود العلة، كان متجها.
وإن أورد ذلك، لا في معرض نقض دليل وجود العلة، بل في معرض الدلالة به على وجود العلة ي صورة النقض، فالحكم فيه على ما سبق في الدلالة على نفي الحكم في صورة النقض، فهو غير مسموع على ما يأتي:
الثاني: منع تخلف الحكم وإنما كان ذلك دافعا للنقض لما ذكرناه في منع وجود العلة، وذلك، كما لو قال الشافعي في مسألة الثيب الصغيرة ثيب فلا يجوز إخبارها كالثيب البالغ، فقال المعترض: هذا منقوض بالثيب المجنونة، فإنه يجوز إجبارها.
فقال المستدل: لا نسلم صحة إجبار الثيب المجنونة. والكلام في تمكين المعترض من الاستدلال على تخلف الحكم في صورة النقض، كالكلام في دلالته على وجود العلة، وقد عرف ما فيه.
الثالث: أن يكون النقض على أصل المستدل خاصة، وذلك كما لو قال الشافعي في مسألة الرطب بالتمر: باع مال الربا بجنسه متفاضلا، فلا يصح كما لو باع صاعا بصاعين،