من جهينة فنزف الجهني فمات، فقال عمر للسعديين: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها، فتحرجوا وأبوا، فقال للجهنيين: احلفوا أنتم لمات منها فأبوا، فقضى على السعديين بنصف الدية، فقالوا: ليس عليه العمل، ولكن يبدأ المدعون وقالوا: ليس العمل على إغرامه أولياء القاتل نصف الدية. ومن العجب العجيب أن مالكا الذي خالف هذا الحديث في ثلاثة مواضع أحدها تبدئة المدعى عليهم في اليمين، وثانيها إغرام المدعى عليهم بلا يمين من المدعين، وثالثها إغرامهم نصف الدية لا كلها، ثم احتج به بعد أوراق من كتابه في إغرام الراكب والقائد والسائق وجعل أصله في ذلك فعل عمر بالسعديين، وهو قد خالفه في الحديث نفسه كما ترى، فليت شعري ما الذي جعل ربع حكم عمر في هذا الحديث حجة يوقف عندها، وثلاثة أرباعه مطرحا لا يعمل له؟ فلولا البلاء لما كان يقلد هؤلاء القوم هذه الأقوال، ويتركون لها القرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورووا عنه: أنه قضى في الترقوة بجمل. فقالوا ليس عليه العمل، ورووا عنه أنه قضى في الضرس بجمل. فقالوا: ليس عليه العمل. ورووا عنه: أنه قضى في الضلع بجمل، فقالوا: ليس عليه العمل، ورووا عنه: أنه جلد عبدا زنى وغربه.
فقالوا: ليس عليه العمل ولا يغرب العبد، فخالفوا قضاء عمر وعمله بحضرة المهاجرين والأنصار بالمدينة، ومعه سنة النبي صلى الله عليه وسلم لآرائهم الفاسدة.
ورووا عنه: أنه أمر ثابت بن الضحاك - وكان قد التقط بعيرا، بأنه يعرفه ثلاثا، ثم أمره بإرساله حيث وجده، فخالفوا قضاء عمر وعمل ثابت.
فهذا ما خالفوا فيه عمر من روايتهم في الموطأ خاصة، وأما من رواية غيرهم فأضعاف ذلك.
فإن قالوا: عمل عثمان قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: إنهم رووا عن عثمان أنه كان يصلي الجمعة ثم ينصرف وما للجدران ظل. فقالوا: ليس عليه العمل ولا تجوز الصلاة إلا بعد الخطبة، ولا يبتدأ بالخطبة إلا بعد الاذان، ولا يبتدأ بالاذان إلا بعد الزوال، فإن زالت الشمس فقد حدث للجدران ظل. ورووا عنه: أنه أذن على المنبر لأهل العالية في يوم عيد وافق يوم جمعة في أن يرجع منهم من أحب.