الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٢٦
من جهينة فنزف الجهني فمات، فقال عمر للسعديين: أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها، فتحرجوا وأبوا، فقال للجهنيين: احلفوا أنتم لمات منها فأبوا، فقضى على السعديين بنصف الدية، فقالوا: ليس عليه العمل، ولكن يبدأ المدعون وقالوا: ليس العمل على إغرامه أولياء القاتل نصف الدية. ومن العجب العجيب أن مالكا الذي خالف هذا الحديث في ثلاثة مواضع أحدها تبدئة المدعى عليهم في اليمين، وثانيها إغرام المدعى عليهم بلا يمين من المدعين، وثالثها إغرامهم نصف الدية لا كلها، ثم احتج به بعد أوراق من كتابه في إغرام الراكب والقائد والسائق وجعل أصله في ذلك فعل عمر بالسعديين، وهو قد خالفه في الحديث نفسه كما ترى، فليت شعري ما الذي جعل ربع حكم عمر في هذا الحديث حجة يوقف عندها، وثلاثة أرباعه مطرحا لا يعمل له؟ فلولا البلاء لما كان يقلد هؤلاء القوم هذه الأقوال، ويتركون لها القرآن وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورووا عنه: أنه قضى في الترقوة بجمل. فقالوا ليس عليه العمل، ورووا عنه أنه قضى في الضرس بجمل. فقالوا: ليس عليه العمل. ورووا عنه: أنه قضى في الضلع بجمل، فقالوا: ليس عليه العمل، ورووا عنه: أنه جلد عبدا زنى وغربه.
فقالوا: ليس عليه العمل ولا يغرب العبد، فخالفوا قضاء عمر وعمله بحضرة المهاجرين والأنصار بالمدينة، ومعه سنة النبي صلى الله عليه وسلم لآرائهم الفاسدة.
ورووا عنه: أنه أمر ثابت بن الضحاك - وكان قد التقط بعيرا، بأنه يعرفه ثلاثا، ثم أمره بإرساله حيث وجده، فخالفوا قضاء عمر وعمل ثابت.
فهذا ما خالفوا فيه عمر من روايتهم في الموطأ خاصة، وأما من رواية غيرهم فأضعاف ذلك.
فإن قالوا: عمل عثمان قيل لهم وبالله تعالى التوفيق: إنهم رووا عن عثمان أنه كان يصلي الجمعة ثم ينصرف وما للجدران ظل. فقالوا: ليس عليه العمل ولا تجوز الصلاة إلا بعد الخطبة، ولا يبتدأ بالخطبة إلا بعد الاذان، ولا يبتدأ بالاذان إلا بعد الزوال، فإن زالت الشمس فقد حدث للجدران ظل. ورووا عنه: أنه أذن على المنبر لأهل العالية في يوم عيد وافق يوم جمعة في أن يرجع منهم من أحب.
(٢٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 221 222 223 224 225 226 227 228 229 230 231 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258