الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٣٠
الاحكام؟ والله ما يظن هذا مسلم ولا ذمي مميز بالسير، فإذ لا شك في هذا فما بالمدينة سنة إلا وهي في سائر الأمصار كلها ولا فرق، وأما مذ مضى هذا الصدر الكريم - رضي الله عنهم - فوالله ما ولي المدينة ولا حكم فيها إلا فساق الناس، كعمرو بن سعيد، والحجاج بن يوسف، وطارق، وخالد بن عبد الله القسري، وعبد الرحمن بن الضحاك، وعثمان بن حيان المري، وكل عدو لله حاشى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وأبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز، فإنه كان كل واحد منهم فاضلا، وليها أبو بكر أربعة أعوام، عامين قاضيا وعامين أميرا لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه. فأي مزية لأهل المدينة على غيرهم في علم أو فضل أو رواية؟
لو نصحوا أنفسهم وتركوا هذا التخليط الذي لا يسلم معه دين من غلبة الهوى ونصر الباطل، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان.
وما أدرك مالك بالمدينة أعلى من نافع، وهو قليل الفتيا جدا، وربيعة وكان كثير الرأي قليل العلم بالحديث، وأبي الزناد وزيد بن أسلم، وكانا قليلي الفتيا، وأما الزهري فإنما كان بالشام، وما كتب عنه مالك إلا بمكة، وأما من القضاة فأبو بكر بن عمرو بن حزم، وابنه محمد، ويحيى بن سعيد الأنصاري، على أن أهل العراق يجاذبونه إياه، لأنه مات وهو قاض ببغداد، وأما سعد بن إبراهيم فكان ثقة إلا أن مالكا لم يأخذ عنه.
ثم يقال لهم لا خلاف بين أحد من أهل العلم بالاخبار أن مالكا ولد سنة ثلاث وتسعين من الهجرة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث وثمانين سنة، وأنه بقي أزيد من ثلاثين سنة، وما اشتهر علمه، فأخبروني على أي مذهب كان الناس قبل مالك، وطول المدة التي ذكرنا، وهي نحو مائة عام وعشرين عاما؟
كان فيها خيار أهل الأرض من الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين رحمة الله عليهم، فإن قالوا: على مذهب مالك أكذبهم مالك في موطئه بما أورد فيه من الاختلاف القديم بين الصحابة والتابعين، وقد ذكرنا آنفا من ذلك طرفا صالحا.
ويقال لهم أيضا: إن كان الامر كما تقولون فما الذي جعل نسبة هذا المذهب إلى مالك أولى من نسبته إلى أبي بكر، أو عمر، أو عثمان، أو عائشة، أو ابن عمر، أو سعيد بن المسيب، أو سليمان بن يسار، أو عروة بن الزبير، أو ربيعة؟ ولم خصصتم مالكا وحده بأن تنسبوه إليه دون أن تنسبوه إلى من ذكرنا، وهم كانوا
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258