الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٠٧
ولا كانت فيه آية، وهذا خلاف النصوص والخروج عن الاسلام، لأنه لو أنزل على غيره قبله لما كان محمد صلى الله عليه وسلم مخصوصا به، وأما حكايته تعالى لنا كلام موسى وغيره بلغتنا فلم يلزمنا تعالى قراءة ألفاظهم بنصها، ولا نمنع نحن من تلاوته في الصلاة، وإنما نمنع من تلاوته في القرآن، أو على سبيل التقريب بتلاوته إلى الله تعالى بغير اللفظ الذي أنزل به، لا بكلام أعجمي، ولا بغير تلك الألفاظ، وإن وافقتها في العربية، ولا بتقديم تلك الألفاظ بعينها ولا بتأخيرها، وإنما نجيز الترجمة التي أجازها النص على سبيل التعليم والافهام فقط، لا على سبيل التلاوة التي نقصد بها القربة، وبالله تعالى التوفيق.
وبلا خلاف من أحد من الأمة أن القرآن معجزة وبيقين ندري أنه إذا ترجم بلغة أعجمية أو بألفاظ عربية غير ألفاظه، فإن تلك الترجمة غير معجزة، وإذ هي غير معجزة فليست قرآنا. ومن قال فيما ليس قرآنا إنه قرآن فقد فارق الاجماع وكذب الله تعالى، وخرج عن الاسلام إلا أن يكون جاهلا، ومن أجاز هذا وقامت عليه الحجة، ولم يرجع فهو كافر مشرك مرتد حلال الدم والمال، لا نشك في ذلك أصلا. وأيضا فقد قال تعالى مخبرا عن نبيه صلى الله عليه وسلم: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * فلما صح بنص القرآن أن كلامه عليه السلام وحي كله حرم بلا شك تحريف الوحي وإحالته كما حرم ذلك في الوحي المتلو الذي هو القرآن ولا فرق.
ومن حدث بحديث فبلغه إلى غيره كما بلغه إياه غيره، وأخذ عنه فليس عليه أن يكرره أبدا حتى يحصل في حد الهذيان، وقد أدى ما عليه بتبليغه.
قال أبو محمد: وبهذا يبطل قول من رام توهين الحديث المسند، بأن فلانا أرسله إذ لو كان سكوت المرء - في بعض الأحيان - عن تأدية ما سمع مسقطا للاحتجاج به، إذ أداه في وقت آخر أو لم يؤده هو وأداه غيره، لكان إذا نام أو أكل أو وطئ أو اشتغل بصلاة أو مصلحة دنياه أو بشئ من أمر دينه، أو بتبليغ حديث آخر - قد بطل الاحتجاج بما سكت عنه في الأحوال التي ذكرنا، وهذا جنون فادح ممن قاله، وكفى سقوطه بكل قول أخرج إلى الجنون، وأدى إلى المحال والممتنع، وبالله تعالى التوفيق.
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258