ولا كانت فيه آية، وهذا خلاف النصوص والخروج عن الاسلام، لأنه لو أنزل على غيره قبله لما كان محمد صلى الله عليه وسلم مخصوصا به، وأما حكايته تعالى لنا كلام موسى وغيره بلغتنا فلم يلزمنا تعالى قراءة ألفاظهم بنصها، ولا نمنع نحن من تلاوته في الصلاة، وإنما نمنع من تلاوته في القرآن، أو على سبيل التقريب بتلاوته إلى الله تعالى بغير اللفظ الذي أنزل به، لا بكلام أعجمي، ولا بغير تلك الألفاظ، وإن وافقتها في العربية، ولا بتقديم تلك الألفاظ بعينها ولا بتأخيرها، وإنما نجيز الترجمة التي أجازها النص على سبيل التعليم والافهام فقط، لا على سبيل التلاوة التي نقصد بها القربة، وبالله تعالى التوفيق.
وبلا خلاف من أحد من الأمة أن القرآن معجزة وبيقين ندري أنه إذا ترجم بلغة أعجمية أو بألفاظ عربية غير ألفاظه، فإن تلك الترجمة غير معجزة، وإذ هي غير معجزة فليست قرآنا. ومن قال فيما ليس قرآنا إنه قرآن فقد فارق الاجماع وكذب الله تعالى، وخرج عن الاسلام إلا أن يكون جاهلا، ومن أجاز هذا وقامت عليه الحجة، ولم يرجع فهو كافر مشرك مرتد حلال الدم والمال، لا نشك في ذلك أصلا. وأيضا فقد قال تعالى مخبرا عن نبيه صلى الله عليه وسلم: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) * فلما صح بنص القرآن أن كلامه عليه السلام وحي كله حرم بلا شك تحريف الوحي وإحالته كما حرم ذلك في الوحي المتلو الذي هو القرآن ولا فرق.
ومن حدث بحديث فبلغه إلى غيره كما بلغه إياه غيره، وأخذ عنه فليس عليه أن يكرره أبدا حتى يحصل في حد الهذيان، وقد أدى ما عليه بتبليغه.
قال أبو محمد: وبهذا يبطل قول من رام توهين الحديث المسند، بأن فلانا أرسله إذ لو كان سكوت المرء - في بعض الأحيان - عن تأدية ما سمع مسقطا للاحتجاج به، إذ أداه في وقت آخر أو لم يؤده هو وأداه غيره، لكان إذا نام أو أكل أو وطئ أو اشتغل بصلاة أو مصلحة دنياه أو بشئ من أمر دينه، أو بتبليغ حديث آخر - قد بطل الاحتجاج بما سكت عنه في الأحوال التي ذكرنا، وهذا جنون فادح ممن قاله، وكفى سقوطه بكل قول أخرج إلى الجنون، وأدى إلى المحال والممتنع، وبالله تعالى التوفيق.