الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢١١
لا يحل، لأنه ليس أحد النصين أولى بالطاعة من الآخر، وليس أحدهما نافيا للآخر ولا مبطلا له.
ومن ذلك أيضا ما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على نصف ما يخرج منها، فكان هذا عاما لكل ما يخرج منها زرعا أو خضرا أو ثمارا، وروى بعضهم هذا الحديث بعينه فقال: من ثمر النخل، فمن أخذ بالمساقاة في ثمر النخل خاصة وحظر ما سوى ذلك كان مخالفا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم المنقول في لفظ العموم، وليس قول من قال في ثمر النخل بمبطل أن يكون ساقاهم وعاملهم وزارعهم أيضا في غير ثمر النخل، ولكن هذا الراوي ذكر بعض ما عوملوا عليه وسكت عن بعض، وعم غيره كل ما وقعت فيه المعاملة، وكان هذا الحديث ناسخا لحديث النهي عن المزارعة بيقين. لأنه آخر فعله عليه السلام بلا شك الذي ثبت عليه إلى أن مات، وحديث النهي عن المزارعة كان قبله بلا شك، فلذلك قطعنا أنه منسوخ ولولا هذا البيان ما استجزنا ذلك.
قال علي: ومن هذا الباب أن يشهد عدلان أن زيدا طلق امرأته، وقال سائر من حضر المجلس وهم عدول. لم يطلقها البتة، فلا نعلم خلافا في وجوب الحكم عليه بالطلاق. وإنفاذ شهادة من شهد به، لان عندهما علما زائدا شهدا به لم يكن عند سائر من حضر المجلس، وهذا نفسه هو قبول زيادة العدل ولا فرق، وإن انفرد بها، وإنها كسائر نقله، وليس جهل من جهل حجة على علم من علم، ولا سكوت عدل مبطلا لكلام عدل آخر، ولا فرق بين أن ينفرد بالحديث كله وبين أن ينفرد بلفظة منه أو بحكم زائد فيه.
وقد وافقنا من يخاصم في هذا المعنى على قبول ما انفرد به العدل من الاخبار، وخالفونا في قبول الزيادة بلا دليل إلا التحكم بالدعوى فقط، إلا أن بعضهم رام أن يحتج فأضحك من نفسه، وذلك أنه قال: قد وافقناكم على قبول الخبر إذا سلم من الزيادة انفرد بها بعض الرواة، ومن إرسال غير هذا الراوي له، ومن مخالفة من هو أعدل منه وأحفظ في لفظه، وخالفناكم في قبوله إذا كان فيه شئ من هذه المعاني.
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258