إنما بعث شارعا ومحللا ومحرما، وهكذا قال ابن عباس إذ ذكر عنده الضب.
فإذا روى العدل لفظة لها حكم زائد لم يروها غيره، أو رواها غيره، أو روى العدل عموما فيه حكم زائد، وروى آخرون لفظة فيها إسقاط ذلك الحكم، فالفرض أن يؤخذ بالحكم الزائد أبدا، لأنه شريعة واردة قد تيقنا لزومها لنا، وأننا مأمورون بها ولم نتيقن نسخها ولا سقوطها، ولا يجوز ترك يقين لظن.
فمن ادعى تلك الشريعة - التي قد صح أمر الله عز وجل لنا بها - قد سقطت عنا، وأن الحكم قد رجع إلى ما كنا عليه قبل ورود تلك الشريعة، فهو مفتر على الله عز وجل إلا أن يأتي ببرهان من نص أو إجماع على دعواه، ولا يحل لمسلم يخاف الله عز وجل - أن يترك يقينا لما لعله ليس كما يظن.
قال علي: ونمثل من ذلك مثالا فنقول: روى بعض العدول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن آنية الفضة هكذا مجملا، وروى بعضهم النهي عن الشرب في آنية الفضة، فكانت هذه اللفظة يعني - الشرب - ناقصة عن معنى الحديث الآخر الذي فيه إجمال النهي عن آنية الفضة نقصانا عظيما، ومبيحة لعظائم في عموم ذلك الحديث إيجاب تحريمها من الاكل فيها، والاغتسال فيها، والوضوء فيها، فهذه اللفظة وإن كانت زائدة في الصوت والخط فهي ناقصة من المعنى، والحديث الآخر وإن كان ناقص اللفظ فهو زائد في الحكم والمعاني، فهو الذي لا يجب الاخذ به، لان الحديث المذكور فيه الشرب هو بعض ما في الحديث الآخر.
وهذا نحو ما قلنا في الحديثين في زكاة الغنم اللذين ذكر في أحدهما السائمة ولم يذكر في الآخر، فوجب الاخذ بالعام للسائمة وغيرها لان من أخذ بالحديث العام كان آخذا بالخاص أيضا، لأنه إذا اجتنب آنية الفضة جملة كان قد اجتنب الشرب في جملة ما اجتنب أيضا، وإذا زكى الغنم كلها كان زكى السائمة أيضا.
فكان آخذا بكلا الامرين، وغير عاص لشئ من النصين، وكان من آخذ بالحديث الأخص وحده عاصيا للحديث الآخر، تاركا له بلا دليل، إلا التحكم والدعوى بغير علم، لأنه إذا زكى السائمة وحدها، فقد ترك زكاة غير السائمة، وخالف ما أوجبه الحديث الآخر، وكان إذا اجتنب الشرب في آنية الفضة وحدها كان قد عصى ما في النص الآخر واستباح ما حرم الله تعالى فيه، وذلك