الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ٢٠٤
والمغيرة بن شعبة، وأبو بكرة، رضوان الله عليهم، فأفاضل أئمة عدول.
أما قدامة فبدري مغفور له بيقين مرضي عنه، وكل من تيقنا أن الله عز وجل رضي عنه، وأسقط عنه الملامة، ففرض علينا أن نرضى عنه، وأن لا نعدد عليه شيئا، فهو عدل بضرورة البرهان القائم على عدالته من عند الله عز وجل وعندنا، وبقوله عليه السلام: إن الله اطلع على أهل بدر فقال لهم اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. وأما المغيرة بن شعبة، فمن أهل بيعة الرضوان وقد أخبر عليه السلام أ لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة فالقول فيه كالقول في قدامة.
وأما سمرة بن جندب فأحدي وشهد المشاهد بعد أحد وهلم جرا، والامر فيه كالأمر في المغيرة بن شعبة.
وأما أبو بكرة، فيحتمل أن يكون شبه عليه، وقد قال ذلك المغيرة، فلا يأثم هو ولا المغيرة، وبهذا نقول: وكل ما احتمل ولم يكن ظاهره يقينا فغير منقول عن متيقن حاله بالأمس، فهما على ما ثبت من عدالتهما. ولا يسقط اليقين بالشك وهذا هو استصحاب الحال الذي أباه خصومنا، وهم راجعون إليه في هذا المكان بالصغر منهم. فما منهم أحد امتنع من الرواية عن المغيرة وأبي بكرة معا، وأبي بكرة وهو متأول.
وأما سمرة فمتأول أيضا، والمتأول مأجور وإن كان مخطئا، وكذلك قدامة تأول أن لا جناح عليه - وصدق - لا جناح عليه عند الله تعالى في الآخرة بلا شك، وأما في أحكام الدنيا فلا، ولنا في الدنيا أحكام غير أحكام الآخرة.
وكذلك كل من قاتل عليا رضوان الله عليه يوم صفين، وأما أهل الجمل فما قصدوا قط قتال علي رضوان الله عليه، ولا قصد علي رضوان الله عليه قتالهم، وإنما اجتمعوا بالبصرة للنظر في قتلة عثمان رضوان الله عليه، وإقامة حق الله تعالى فيهم، فأسرع الخائفون على أنفسهم أخذ حد الله تعالى منهم - وكانوا أعدادا عظيمة يقربون من الألوف - فأثاروا القتال خفية حتى اضطر كل واحد من الفريقين إلى الدفاع عن أنفسهم، إذ رأوا السيف قد خالطهم، وقد جاء ذلك نصا مرويا.
وإن العجب ليكثر ممن يبيح لأبي حنيفة ومالك والشافعي والأوزاعي، والليث وسفيان وأحمد وداود رحمهم الله أن يجتهدوا في الدماء، وفي الفروج وفي العبادات
(٢٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258