ولكنا لسنا نجعل ذلك محالا ممتنعا بل نقول: إنه ممكن بعيد جدا، فإن قالوا:
لعل ملكا كانت في مملكته لغات شتى فجمع لهم لغة يتفاهمون بها كلهم، قلنا لهم:
هذا ضد وضع اللغات الكثيرة، بل هو جمع اللغات على لغة واحدة، ثم نقول:
وما الذي كان يدعو هذا الملك إلى هذه الكلفة الباردة الصعبة الثقيلة التي لا تفيد شيئا؟ وكان أسهل له أن يجمعهم على لغة ما من تلك اللغات التي كانوا يتكلمون بها أو على لغته نفسه فكان أخف وأمكن من إحداث لغة مستأنفة، وعلم ذلك عند الله عز وجل.
وقد توهم قوم في لغتهم أنها أفضل اللغات. وهذا لا معنى له لان وجوه الفضل معروفة، وإنما هي بعمل أو اختصاص ولا عمل للغة، ولا جاء نص في تفضيل لغة على لغة، وقد قال تعالى: * (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم) * وقال تعالى: * (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون) *. فأخبر تعالى أنه لم ينزل القرآن بلغة العرب إلا ليفهم ذلك قومه عليه السلام لا لغير ذلك، وقد غلط في ذلك جالينوس فقال: إن لغة اليونانيين أفضل اللغات لان سائر اللغات إنما هي تشبه إما نباح الكلاب أو نقيق الضفادع.
قال علي: وهذا جهل شديد لان كل سامع لغة ليست لغته ولا يفهمها، فهي عنده في النصاب الذي ذكره جالينوس ولا فرق.
وقد قال قوم: العربية أفضل اللغات لأنه بها كلام الله تعالى.
قال علي: وهذا لا معنى له، لان الله عز وجل قد أخبرنا أنه لم يرسل رسولا إلا بلسان قومه. وقال تعالى: * (إني إذا لفي ضلال مبين) * وقال تعالى: * (وإنه لفي زبر الأولين) * فبكل لغة قد نزل كلام الله تعالى ووحيه. وقد أنزل التوراة والإنجيل والزبور، وكلم موسى عليه السلام بالعبرانية، وأنزل الصحف على إبراهيم عليه السلام بالسريانية، فتساوت اللغات في هذا تساويا واحدا.
وأما لغة أهل الجنة وأهل النار فلا علم عندنا إلا ما جاء في النص والاجماع، ولا نص ولا إجماع في ذلك، إلا أنه لا بد لهم من لغة يتكلمون بها ولا يخلو ذلك من أحد ثلاثة أوجه ولا رابع لها: إما أن تكون لهم لغة واحدة من اللغات