التكليف معلوم إجمالا وإنما الشك في كونه على وجه التعيين على تقدير التفاضل أو على وجه التخيير على تقدير عدمه ومنشأ الشك هو الاشتباه في المصداق مع انتفاء ما يشخصه من الأصول وإمكان استعلامه فلا بد من الفحص حتى يعلم المكلف به (انتهى) موضع الحاجة من كلامه رفع مقامه.
(أقول) أما رواية داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه السلام ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر فهي آمرة بالرجوع إلى الأفقه الأعلم الأورع وليست هي آمرة بالفحص عنه عند الشك في وجوده (مضافا) إلى كونها واردة في مورد الحكومة ورفع الخصومة فلا دلالة لها في مقام التقليد أصلا (وأما الأصل) فالظاهر ان المراد منه بقرينة قوله حيث ان قبل الفحص لا يعلم البراءة بخلافه بعد الفحص... إلخ هو أصل الاشتغال وهو وإن كان حقا لا مجال لإنكاره ولكنه على الظاهر ليس هو وجها آخر غير الوجه الأخير الذي قد أشار إليه بقوله ولعل وجوب الفحص موافق للقاعدة أيضا... إلخ (وعلى كل حال) تقريب أصل الاشتغال هو أنا نعلم إجمالا باشتغال الذمة بوجوب العمل بإحدى الفتويين إما تعيينا ان كان أحدهما فتوى الأعلم وأما تخييرا إن كان الفتويان متساويتين والاشتغال اليقيني مما يقتضي البراءة اليقينية وهي لا تحصل إلا بالفحص عن الأعلم فان كان أحدهما أعلم أخذنا بفتواه وإلا فنتخير بين الفتويين (إلا ان الحق) ان لنا أصل موضوعي مقدم على الاشتغال رافع لموضوعه (وتوضيحه) انه إذا أفتى أحدهم بطهارة الخمر مثلا والآخر بنجاسته وفرضنا ان صاحب فتوى الطهارة ملكته هي بحد الاعتدال وشككنا في ان صاحب فتوى النجاسة هل هو ملكته أقوى منها وأشد قد تجاوزت من هذا الحد ليكون هو أعلم ويتعين الأخذ بفتواه أم لم تتجاوز فنتخير والأصل عدم تجاوزها عنه وعدم صيرورته أعلم فلا يبقى مجال لقاعدة الاشتغال أصلا.