بواقع اليهود وموقفهم من التوراة، لا أنه - كما قيل - اعتمد النهي المروي عن النبي (ص)، لأنه لم يشر إليه، والقصة المذكورة تدل - وبوضوح - على أنه اجتهد رأيه.
إلا أنه - كما ترى - اجتهاد في مقابلة النص الآمر بالكتابة.
ومع أنه اجتهاد وفي مقابلة النص كان يصر عليه وكتب به إلى الأمصار، فقد (روي عن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار: من كان عنده شئ فليمحه) (1).
ويبدو أن عمر كان على معرفة باللغة العبرية، فقد ذكر أنه بعد أن قرر قراره المذكور بالمنع من كتابة الحديث جمع ما في أيدي الصحابة من الحديث المكتوب على مدى شهر، ثم أحرقه، وقال: (مشناة كمشناة أهل الكتاب).
والمشناة هي نص التلمود اليهودي، ذلك أن التلمود - وهو مجموعة الشرايع اليهودية التي نقلت شفويا مقرونة بتفاسير رجال الدين ينقسم إلى قسمين:
المشنة وهي النص، والجمارة وهي التفسير.
ولو كان النهي عن الكتابة - كما ذكر - صادرا من النبي (ص) لما أقدم الذين أقدموا من الصحابة على الكتابة، ومنهم علي والحسن، ولما أمر النبي (ص) عبد الله بن عمرو بن العاص بالكتابة، وكذلك لما أمر أن يكتب لأبي شاة، ولتمسك عمر بن الخطاب بهذا النهي.
كل هذا يدل على أن عمر كان قد اجتهد رأيه في المسألة، ولم يستند فيها إلى نص.
ويبدو لي أن هذا كان منه لئلا ينتشر فضل أهل البيت من خلال نشر الحديث، ولئلا يبين حق علي في الخلافة عن طريق حديث الغدير وأمثاله.
يقول السيد هاشم معروف في كتابه (دراسات في الحديث والمحدثين 21 - 22): (وجاء عنه (يعني عمر) أنه لما حدث أبي بن كعب عن بيت المقدس