وثانيا: كذلك لا يتصور بحث الإجزاء في الأصول العقلية الأخرى كالبراءة وقاعدة التخيير، لأ نهى حسب الفرض لا تتضمن حكما ظاهريا حتى يتصور فيها الإجزاء والاكتفاء بالمأتي به عن الواقع، بل إن مضمونها هو سقوط العقاب والمعذورية المجردة.
وعليه، فينحصر البحث في خصوص الأصول الشرعية عدا الاحتياط، كالاستصحاب، وأصالة البراءة والحلية، وأصالة الطهارة.
وهي لأول وهلة لا مجال لتوهم الإجزاء فيها لا في الأحكام ولا في الموضوعات، فإنها أولى من الأمارات في عدم الإجزاء، باعتبار أنها - كما ذكرنا في صدر البحث - وظيفة عملية يرجع إليها الجاهل الشاك لرفع الحيرة في مقام العمل والعلاج الوقتي. أما الواقع فهو على واقعيته، فيتنجز حين العلم به وانكشافه، ولا مصلحة في العمل بالأصل غير رفع الحيرة عند الشك، فلا يتصور فيه مصلحة وافية يتدارك بها مصلحة الواقع حتى يقتضي الإجزاء والاكتفاء به عن الواقع.
ولذا أفتى علماؤنا المتقدمون بعدم الإجزاء في الأصول العملية (1).
ومع هذا، فقد قال قوم من المتأخرين بالإجزاء، منهم شيخنا صاحب الكفاية (2) وتبعه تلميذه استاذنا الشيخ محمد حسين الإصفهاني (3). ولكن ذلك في خصوص الأصول الجارية لتنقيح موضوع التكليف وتحقيق متعلقه، كقاعدة الطهارة وأصالة الحلية واستصحابهما، دون الأصول الجارية في نفس الأحكام.
ومنشأ هذا الرأي عنده اعتقاده بأن دليل الأصل في موضوعات الأحكام موسع لدائرة الشرط أو الجزء المعتبر في موضوع التكليف