والتفسير والحديث ورجاله والفقه إلى غير ذلك، فكانوا حقا فقهاء في (الدين) لا في بعضه.
ثم لما كانت مسائل الفقه - من الطهارة إلى الديات - بحاجة إلى مبان موحدة تقع كبرى في قياس استنباط الحكم الشرعي، عكفوا على هذه المباني فأسدوها عناية فائقة، واهتماما كبيرا، فبذلوا فيها ما يناسبها من التدقيق والتأمل، وما تستحقها من التوسع والتعمق، فعقدوا لكل منها مبحثا خاصا.
ولعمري فإنها جديرة بذلك، إذ أن النتائج المأخوذة من هذه المباحث لهي قانون كلي تبنى عليه فروع فقهية متكثرة، فقد تترتب على المبنى الواحد مئات المسائل الفقهية بأقسامها المتباينة وأبوابها المختلفة. فكون الامر حقيقة في الوجوب مثلا، قانون ينطبق على كل أبواب الفقه من الطهارة إلى الديات، ومن قال بدلالة النهي على الفساد فإنه يبني عليه في شتى مسائل الفقه.
ونظرا لهذه الأهمية: جمعوا هذه المباحث في علم مستقل، أسموه (أصول الفقه) وأفردوا له مصنفات على حدة.
ولقد كان جهدهم في هذا المجال جبارا وموفقا، حيث قد تمخض عن مصنفات رائعة ومؤلفات فائقة، فكانت (الذريعة) للسيد الاجل المرتضى، و (العدة) لشيخ الطائفة الطوسي، و (المعارج) للمحقق، و (النهاية) و (التهذيب) و (المبادئ) للعلامة، ومقدمة (المعالم) للشيخ أبى منصور، علاوة على ما فقد منها وأتلف فيما أتلف من التراث الاسلامي نتيجة تسلط الجهلاء والطائفيين، وحكومتهم على رقاب المسلمين.
وفي طليعة المصنفات الأصولية يأتي كتابنا هذا فهو من خيرة التراث الامامي الزاهر، الباعث على الفخر والاعتزاز. وسنأتي فيما بعد على بيان ميزاته وخصائصه وقيمته العلمية، بما يجعله حريا بالتحقيق والبحث، جديرا بالدراسة والتحليل.