تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٩ - الصفحة ١٥٦
خلط الشيء بعضه ببعض فالمعنى ما خلط لهم من أنواع العذاب وقد فسر بالنصيب وبالشدة أيضا لأن السوط يطلق على كل منهما لغة فلا حاجة حينئذ في تشبيهه بالمصبوب إلى اعتبار تكرر تعلقه بالمعذب كما في المعنى الأول فان كل واحد من هذه المعاني مما يقبل الاستمرار في نفسه وقوله تعالى ان ربك لبالمرصاد تعليل لما قبله وايذان بأن كفار قومه عليه الصلاة والسلام سيصيبهم مثل ما أصاب المذكورين من العذاب كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره عليه الصلاة والسلام وقيل هو جواب القسم وما بينهما اعتراض والمرصاد المكان الذي يترقب فيه الرصد مفعال من رصده كالميقات من وقته وهذا تمثيل لإرصاده تعالى بالعصاة وأنهم لا يفوتونه وقوله تعالى فأما الانسان الخ متصل بما قبله كأنه قيل أنه تعالى بصدد مراقبة أحوال عباده ومجازاتهم بأعمالهم خيرا وشرا فأما الانسان فلا يهمه ذلك وانما مطمح انظاره ومرصد أفكاره الدنيا ولذائذها إذا ما ابتلاه ربه أي عامله معاملة من يبتليه بالغنى واليسار والفاء في قوله تعالى فأكرمه ونعمه تفسيرية فان الاكرام والتنعيم من الابتلاء فيقول ربي أكرمن أي فضلني بما أعطاني من المال والجاه حسبما كنت استحقه ولا يخطر بباله أنه فضل تفضل به عليه ليبلوه أيشكر أم يكفر وهو خبر للمبتدأ الذي هو الانسان والفاء لما في أما من معنى الشرط والظرف المتوسط على نية التأخير كأنه قيل فأما الانسان فيقول ربي أكرمن وقت ابتلائه بالانعام وانما تقديمه للايذان من أول الأمر بأن الاكرام والتنعيم بطريق الابتلاء ليتضح اختلال قوله المحكي وأما إذا ما ابتلاه أي وأما هو إذا ما ابتلاه ربه فقدر عليه رزقه حسبما تقتضيه مشيئته المبنية على الحكم البالغة فيقول ربي أهانن ولا يخطر بباله أن ذلك ليبلوه أيصبر أم يجزع مع أنه ليس من الإهانة في شيء بل التقتير قد يؤدي إلى كرامة الدارين والتوسعة قد تفضي إلى خسرانهما وقرئ فقدر بالتشديد وقرئ أكرمني وأهانني باثبات الياء و أكرمن و أهانن بسكون النون في الوقف كلا ردع للانسان عن مقالته المحكية وتكذيب له فيها في كلتا الحالتين قال ابن عباس رضي الله عنهما المعنى لم أبتله بالغنى (سقط 156) على ولم أبتله بالفقر لهوانه على بل ذلك لمحض القضاء والقدر وحمل الردع والتكذيب إلى قوله الأخير بعيد وقوله تعالى بل لا تكرمون اليتيم انتقال من بيان سوء أقواله إلى بيان سوء أفعاله والالتفات إلى الخطاب للايذان باقتضاء ملاحظة جنايته السابقة لمشافهته بالتوبيخ تشديدا للتقريع وتأكيدا للتشنيع والجمع باعتبار
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة