خلقت خلقا بديعا معدولا به عن سنن خلقة سائر أنواع الحيوانات في عظم جثتها وشدة قوتها وعجيب هيأتها اللائقة بتأتي ما يصدر عنها من الأفاعيل الشاقة كالنوء بالأوقار الثقيلة وجر الأثقال الفادحة إلى الأقطار النازحة وفي صبرها على الجو والعطش حتى ان أظماءها لتبلغ العشر فصاعدا واكتفائها باليسير ورعيها لكل ما يتيسر من شوك وشجر وغير ذلك مما لا يكاد يرعاه سائر البهائم وفي انقيادها مع ذلك للانسان في الحركة والسكون والبروك والنهوض حيث يستعملها في ذلك كيفما يشاء ويقتادها بقطارها كل صغير وكبير والى السماء التي يشاهدونها كل لحظة بالليل والنهار كيف رفعت رفعا سحيق المدى بلا عماد ولا مساك بحيث لا يناله الفهم والادراك والى الجبال التي ينزلون في أقطارها وينتفعون بمياهها وأشجارها كيف نصبت نصبا رصينا فهي راسخة لا تميل ولا تميد والى الأرض التي يضربون فيها ويتقلبون عليها كيف سطحت سطحا بتوطئة وتمهيد وتسوية وتوطيد حسبما يقتضيه صلاح أمور ما عليها من الخلائق وقرئ سطحت مشددا وقرئت الأفعال الأربعة على بناء الفاعل للمتكلم وحذف الراجع المنصوب والمعنى أفلا ينظرون نظر التدبر والاعتبار إلى كيفية خلق هذه المخلوقات الشاهدة بحقية البعث والنشور ليرجعوا عما هم عليه من الانكار والنفور ويسمعوا انذارك ويستعدوا للقائه بالايمان والطاعة والفاء في قوله تعالى فذكر لترتيب الأمر بالتذكير على ما ينبئ عنه الانكار السابق من عدم النظر أي فاقتصر على التذكير ولا تلح عليهم ولا يهمنك أنهم لا ينظرون ولا يتذكرون وقوله تعالى انما أنت مذكر تعليل للأمر وقوله تعالى لست عليهم بمصيطر تقرير له وتحقيق لمعنى الانذار أي لست بمتسلط عليهم تجبرهم على ما تريد كقوله تعالى وما أنت عليهم بجبار وقرئ بالسين على الأصل وبالإشمام وقرئ بفتح الطاء قيل هي لغة بني تمتم فان سيطر عندهم متعد ومنه قولهم تسيطر وقوله تعالى الا من تولى وكفر استثناء منقطع أي لكن من تولى منهم فان لله تعالى الولاية والقهر
(١٥١)