الغير وقد عرفت ما بين الشقاء والتذكرة من التنافي ولا يجدي أن يراد به التعب في الجملة المجامع للتذكرة لظهور أن لا ملابسة بينهما بما ذكر من السببية والمسببية وإنما يتصور ذلك أن لو قيل مكان إلا تذكرة إلا تكثيرا لثوابك فإن الأجر بقدر التعب ولا من حيث إنه بدل من محل لتشقى كما في قوله تعالى ما فعلوه إلا قليل لوجوب المجانسة بين البدلين وقد عرفت حالهما بل من حيث إنه معطوف عليه بحسب المعنى بعد نفيه بطريق الاستدارك المستفاد من الاستثناء المنقطع كأنه قيل ما أنزلنا عليك القرآن لتتعب في تبليغه ولكن تذكرة «لمن يخشى» وقد جرد التذكرة عن اللام لكونها فعلا لفاعل الفعل المعلل أي لمن من شأنه أن يخشى الله عز وعلا ويتأثر بالإنذار لرقة قلبه ولين عريكته أو لمن علم الله تعالى أنه يخشى بالتخويف وتخصيصا بهم مع عموم التذكرة والتبليغ لأنهم المنتفعون بها وقوله تعالى «تنزيلا» مصدر مؤكد لمضمر مستأنف مقرر لما قبله أي نزل تنزيلا أو لما تفيده الجملة الاستثنائية فإنها متضمنة لأن يقال أنزلناه للتذكرة والأول هو الأنسب بما بعده من الالتفات أو منصوب على المدح والاختصاص وقيل هو منصوب يخشى على المفعولية أي يخشى تنزيلا من الله تعالى وأنت خبير بأن تعليق الخشية والخوف ونظائرهما بمطلق التنزيل غير معهود نعم قد يعلق ذلك ببعض أجزائه المشتملة على الوعيد ونظائره كما في قوله تعالى يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم وقيل هو بدل من تذكرة لكن لا على أنه مفعول له لأنزلنا إذ لا يعلل الشيء بنفسه ولا بنوعه بل على أنه مصدر بمعنى الفاعل واقع موقع الحال من الكاف في عليك أو من القرآن ولا مساغ له إلا بأن يكون قيدا لأنزلنا بعد تقييده بالقيد الأول وقد عرفت حاله فيما سلف وقرئ تنزيل على أنه خبر لمبتدأ محذوف ومن في قوله تعالى «ممن خلق الأرض والسماوات العلى» متعلقة بتنزيلا أو بمضمر هو صفة له مؤكدة لما في تنكيره من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية ونسبة التنزيل إلى الموصول بطريق الالتفات إلى الغيبة بعد نسبته إلى نون العظمة لبيان فخامته تعالى بحسب الأفعال والصفات إثر بيانها بحسب الذات بطريق الإبهام ثم التفسير لزيادة تحقيق وتقرير وتخصيص خلقهما بالذكر مع أن المراد خلقهما بجميع ما يتعلق بهما كما يفصح عنه قوله تعالى «له ما في السماوات وما في الأرض» الآية لأصالتهما واستتباعهما لما عداهما وتقديم الأرض لكونه أقرب إلى الحس وأظهر عنده ووصف السماوات بالعلا وهو جمع العليا تأنيث الأعلى لتأكيد الفخامة مع ما فيه من مراعاة الفواصل وكل ذلك إلى قوله تعالى له الأسماء الحسنى مسوق لتعظيم شأن المنزل عز وجل المتتبع لتعظيم شأن المنزل الداعي إلى تربية المهانة وإدخال الروعة المؤدية إلى استنزال المتمردين عن رتبة العتو والطغيان واستمالهم نحو الخشية المفضية إلى التذكرة والإيمان «الرحمن» رفع على المدح أي هو الرحمن وقد عرفت في صدر سورة البقرة أن المرفوع مدحا في حكم الصفة الجارية في ما قبله وإن لم يكن تابعا له في الإعراب ولذلك التزموا حذف المبتدأ ليكون في صورة متعلق من
(٤)