تعالى على النار أن أهل النار يستعلون المكان القريب منها أو لأنهم عند الاصطلاء يكتنفونها قياما وقعودا فيشرفون عليها ولما كان الإتيان بهما مترقبا غير محقق الوقوع صدر الجملة بكلمة الترجى وهي إما علة لفعل قد حذف ثقة بما يدل عليه من الأمر بالمكث والإخبار بإيناس النار وتفاديا عن التصريح بما يوحشهم وإما حال من فاعله أي فأذهب إليها لآتيكم أو كي آتيكم أو راجيا أن آتيكم منها بقبس الآية وقد مر تحقيق ذلك مفصلا في تفسير قوله تعالى يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون «فلما أتاها» أي النار التي آنسها قال ابن عباس رضي الله عنهما رأى شجرة خضراء أطافت بها من أسفلها إلى أعلاها نار بيضاء تتقد كأضوأ ما يكون فوقف متعجبا من شدة ضوئها وشدة خضرة الشجرة فلا النار تغير خضرتها ولا كثرة ماء الشجرة تغير ضوءها قالوا النار أربعة أصناف صنف يأكل ولا يشرب وهي نار الدنيا وصنف يشرب ولا يأكل وهي نار الشجر الأخضر وصنف يأكل ويشرب وهي نار جهنم وصنف لا يأكل ولا يشرب وهي نار موسى عليه الصلاة والسلام وقالوا أيضا هي أربعة أنواع نوع له نور وإحراق وهي نار الدنيا ونوع لا نور له ولا إحراق وهي نار الأشجار ونوع له نور بلا إحراق وهي نار موسى عليه الصلاة والسلام ونوع له إحراق بلا نور وهي نار جهنم روى أن الشجرة كانت عوسجة وقيل كانت سمرة «نودي يا موسى» أي نودي فقيل يا موسى «إني أنا ربك» أو عومل النداء معاملة القول لكونه ضربا منه وقرئ بالفتح أي بأني وتكرير الضمير لتأكيد الدلالة وتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة روي أنه لما نودي يا موسى قال عليه الصلاة والسلام من المتكلم فقال الله عز وجل أنا ربك فوسوس إليه إبليس لعلك تسمع كلام شيطان فقال أنا عرفت أنه كلام الله تعالى بأني أسمعه من جميع الجهات بجميع الأعضاء قلت وذلك لأن سماع ما ليس من شأنه ذلك من الأعضاء ليس إلا من آثار قدرة الخلاق العليم تعالى وتقدس وقيل تلقى عليه الصلاة والسلام كلام رب العزة تلقيا روحانيا ثم تمثل ذلك الكلام لبدنه وانتقل إلى الحس المشترك فانتقش به من غير اختصاص بعضو وجهة «فاخلع نعليك» أمر عليه الصلاة والسلام بذلك لأن الحفوة أدخل في التواضع وحسن الأدب ولذلك كان السلف الصالحون يطوفون بالكعبة حافين وقيل ليباشر الوادي بقدميه تبركا به وقيل لما أن نعليه كانا من جلد حمار غير مدبوغ وقيل معناه فرغ قلبك من الأهل والمال والفاء لترتيب الأمر على ما قبلها فإن ربوبيته تعالى له عليه الصلاة والسلام من موجبات الأمر ودواعيه وقوله تعالى «إنك بالواد المقدس» تعليل لوجوب الخلع المأمور به وبيان لسبب ورود الأمر بذلك من شرف البقعة وقدسها روى أنه عليه الصلاة والسلام خلعهما وألقاهما وراء الوادي «طوى» بضم الطاء غير منون وقرئ منونا وقرئ بالكسر منونا وغير منون فمن نونه أوله بالمكان دون البقعة وقيل هو كثنى من الطي مصدر لنودي أو المقدس أي نودي نداءين أو قدس مرة
(٧)