تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٦ - الصفحة ٢٠٧
لا تقتصروا على دعاء ثبور واحد (وادعوا ثبورا كثيرا) أي بحسب كثرة الدعاء المتعلق به لا بحسب كثرته في نفسه فإن ما يدعونه ثبور واحد في حد ذاته لكنه كلما تعلق به دعاء من تلك الأدعية الكثيرة صار كأنه ثبور مغاير لما تعلق به دعاء آخر منها وتحقيقه لا تدعوه دعاء واحدا وادعوه أدعية كثيرة فإن ما أنتم فيه من العذاب لغاية شدته وطول مدته مستوجب لتكرير الدعاء في كل آن وهذا أدل على فظاعة العذاب وهو له من جعل تعدد الدعاء وتجدده لتعدد العذاب بتعدد أنواعه وألوانه أو لتعدده بتجدد الجلود كما لا يخفى وأما ما قيل من أن المعنى إنكم وقعتم فيما ليس ثبوركم فيه واحدا إنما هو ثبور كثير إما لأن العذاب أنواع وألوان كل نوع منها ثبور لشدته وفظاعته أو لأنهم كلما نضجت جلودهم بدلوا غيرها فلا غاية لهلاكهم فلا يلائم المقام كيف لا وهم إنما يدعون هلاكا ينهى عذابهم وينجيهم منه فلابد أن يكون الجواب إقناطا لهم من ذلك ببيان استحالته ودوام ما يوجب استدعاءه من العذاب الشديد وتقييد النهى والأمر باليوم لمزيد التهويل والتفظيع والتنبيه على أنه ليس كسائر الأيام المعهود (قل) تقريعا لهم وتهكما بهم وتحسيرا على ما فاتهم (أذلك) إشارة إلى ما ذكر من السعير باعتبار اتصافها بما فصل من الأحوال الهائلة وما فيه من معنى البعد للإشعار بكونها في الغاية القاصية من الهول والفظاعة أي قل لهم أذلك الذي ذكر من السعير التي أعتدت لمن كذب بالساعة وشأنها كيت وكيت وشأن أهلها ذيت وذيت (خير أم جنة الخلد التي وعد المتقون) أي وعدها المتقون وإضافة الجنة إلى الخلد للمدح وقيل للتمييز عن جنات الدنيا والمراد بالمتقين المتصفون بمطلق التقوى لا بالمرتبة الثانية ولا الثالثة منها فقط (كانت) تلك الجنة (لهم) في علم الله تعالى أو في اللوح المحفوظ أو لأن ما وعده الله تعالى فهو كائن لا محالة فحكى تحققه ووقوعه (جزاء) على أعمالهم حسبما مر من الوعد الكريم (ومصيرا) ينقلبون إليه (لهم فيها ما يشاءون) أي ما يشاءونه من فنون الملاذ والمشتهيات وأنواع النعيم كما في قوله تعالى ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولعل كل فريق منهم يقتنع بما أتيح له من درجات النعيم ولا تمتد أعناق هممهم إلى ما فوق ذلك من المراتب العالية فلا يلزم الحرمان ولا تساوي مراتب أهل الجنان (خالدين) حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور لاعتماده على المبتدأ وقيل من فاعل يشاءون (كان) أي ما يشاءونه وقيل الوعد المدلول عليه بقوله تعالى وعد المتقون (على ربك وعدا مسؤولا) أي موعودا حقيقيا بأن يسأل ويطلب لكونه مما يتنافس فيه المتنافسون أو مسؤولا يسأله الناس في دعائهم بقولهم ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك أو الملائكة بقولهم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم وما في على من معنى الوجوب لامتناع الخلف في وعده تعالى ولا يلزم منه الإلجاء إلى الإنجاز فإن تعلق الإرادة بالموعود متقدم على الوعد الموجب للإنجاز وفي التعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم من تشريفه والإشعار بأنه صلى الله عليه وسلم هو الفائز اثر ذي أثير بمغانم الوعد الكريم ما لا يخفى
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (سورة طه) قوله تعالى: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. 2
2 قوله تعالى: منها خلقناكم وفيها نعيدكم الآية. 22
3 قوله تعالى: وما أعجلك عن قومك يا موسى. 33
4 قوله تعالى: وعنت الوجوه للحي القيوم الآية. 43
5 (سورة الأنبياء - الجزء السابع عشر) قوله تعالى: اقترب للناس حسابهم الآية. 53
6 قوله تعالى: ومن يقل منهم أني إله الآية. 64
7 قوله تعالى: وقد آتينا إبراهيم رشده الآية. 72
8 قوله تعالى: وأيوب إذ نادى ربه الآية. 81
9 (سورة الحج) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية. 91
10 قوله تعالى: هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية. 101
11 قوله تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا الآية. 108
12 قوله تعالى: ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به الآية. 116
13 (سورة المؤمنون - الجزء الثامن عشر) قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون. 133
14 قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون. 134
15 قوله تعالى: ولو رحمناهم الآية. 145
16 (سورة النور) قوله تعالى: سورة أنزلناها وفرضناها الآية. 155
17 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا الآية. 164
18 قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض الآية. 175
19 قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم الآية. 188
20 (سورة الفرقان) قوله تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان الآية 200
21 [الجزء التاسع عشر] قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا الآية 210
22 قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين الآية. 225
23 (سورة الشعراء) قوله تعالى: طسم تلك آيات الكتاب المبين. 233
24 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى الآية 244
25 قوله تعالى: قالوا أنؤمن لك الآية 254
26 أوفوا الكيل ولا تكونوا الآية 262
27 (سورة النمل) قوله تعالى: طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين. 271
28 قوله تعالى: قال سننظر أصدقت الآية. 282
29 [الجزء العشرون] قوله تعالى: فما كان جواب قومه الآية 292
30 قوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا الآية 300