والمريض لا يخلو عن حالة تؤذي قرينه وقيل كانوا يدخلون على الرجل لطلب العلم فإذا لم يكن عنده ما يطعمهم ذهب بهم إلى بيوت آبائهم وأمهاتهم أو إلى بعض من سماهم الله عز وجل في الآية الكريمة فكانوا يتحرجون من ذلك ويقولون ذهب بنا إلى بيت غيره ولعل أهله كارهون لذلك وكذا كانوا يتحرجون من الأكل من أموال الذين كانوا إذا خرجوا إلى الغزو خلفوا هؤلاء في بيوتهم ودفعوا إليهم مفاتيحها وأذنوا لهم أن يأكلوا مما فيها مخافة أن لا يكون إذنهم عن طيب نفس منهم وكان غير هؤلاء أيضا يتحرجون من الأكل في بيوت غيرهم فقيل لهم ليس على الطوائف المعدودة «ولا على أنفسكم» أي عليكم وعلى من يماثلكم في الأحوال من المؤمنين حرج «أن تأكلوا» أي تأكلوا أنتم وهم معكم وتعميم الخطاب للطوائف المذكورة أيضا يأباه ما قبله وما بعده فإن الخطاب فيهما لغير أولئك الطوائف حتما «من بيوتكم» أي البيوت التي فيها أزواجكم وعيالكم فيدخل فيها بيوت الأولاد لأن بيتهم كبيته لقوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبين وقوله صلى الله عليه وسلم إن أطيب مال الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه «أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم» وقرئ بكسر الهمزة والميم وبكسر الأولى وفتح الثانية «أو بيوت إخوانكم أو بيوت أخواتكم أو بيوت أعمامكم أو بيوت عماتكم أو بيوت أخوالكم أو بيوت خالاتكم أو ما ملكتم مفاتحه» من البيوت التي تملكون التصرف فيها بإذن أربابها على الوجه الذي مر بيانه وقيل هي بيوت المماليك والمفاتح جمع مفتح وجمع المفتاح مفاتيح وقرئ مفتاحه «أو صديقكم» أي أو بيوت صديقكم وإن لم يكن بينكم وبينهم قرابة نسبية فإنهم أرضى بالتبسط وأسر به من كثير من الأقرباء روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الصديق أكبر من الوالدين إن الجهنميين لما استغاثوا لم يستغيثوا بالآباء والأمهات بل قالوا فما لنا من شافعين ولا صديق حميم والصديق يقع على الواحد والجمع كالخليط والقطين وأضرابهما وهذا فيما إذا علم رضا صاحب البيت بصريح الإذن أو بقرينة دالة عليه ولذلك خصص هؤلاء بالذكر لاعتيادهم التبسط فيما بينهم وقوله تعالى «ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا» كلام مستأنف مسوق لبيان حكم آخر من جنس ما بين قبله حيث كان فريق من المؤمنين كبني ليث ابن عمرو من كنانة يتحرجون أن يأكلوا طعامهم منفردين وكان الرجل منهم لا يأكل ويمكث يومه حتى يجد ضيفا يأكل معه فإن لم يجد من يؤاكله لم يأكل شيئا وربما قعد الرجل والطعام بين يديه لا يتناوله من الصباح إلى الرواح وربما كانت معه الإبل الحفل فلا يشرب من ألبانها حتى يجد من يشاربه فإذا أمسى ولم يجد أحد أكل وقيل كان الغنى منهم يدخل على الفقير من ذوي قرابته وصدقته فيدعوه إلى طعامه فيقول إني أتحرج أن آكل معك وأنا غني وأنت فقير وقيل كان قوم من الأنصار لا يأكلون إذا نزل بهم ضيف إلا مع ضيفهم فرخص لهم في أن يأكلوا كيف شاءوا وقيل كانوا إذا اجتمعوا ليأكلوا طعاما عزلوا للأعمى وأشباهه طعاما على عده فبين الله تعالى أن ذلك ليس بواجب وقوله تعالى جميعا حال من فاعل تأكلوا وأشتاتا عطف عليه داخل في حكمه وهو جمع شت على أنه صفة كالحق يقال أمر شت أي متفرق أو على أنه في الأصل مصدر وصف به مبالغة أي ليس عليكم جناح أن تأكلوا مجتمعين أو متفرقين «فإذا دخلتم» شروع في بيان الآداب التي تجب رعايتها عند مباشرة ما رخص فيه إثر بيان الرخصة فيه «بيوتا» أي من البيوت
(١٩٦)