والإضمار من غير جريان ذكرهم للثقة بدلالة ما قبله من نفي الشريك عليهم أي اتخذوا لأنفسهم متجاوزين الله تعالى الذي ذكر بعض شؤونه الجليلة من اختصاص ملك السماوات والأرض به تعالى وانتفاء الولد والشريك عنه وخلق جميع الأشياء وتقديرها أبدع تقدير آلهة «لا يخلقون شيئا» أي لا يقدرون على خلق شيء من الأشياء أصلا «وهم يخلقون» كسائر المخلوقات وقيل لا يقدرون على أن يختلقوا شيئا وهم يختلقون حيث تختلقهم عبدتهم بالنحت والتصوير وقوله تعالى «ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا» لبيان ما لم يدل عليه ما قبله من مراتب عجزهم وضعفهم فإن بعض المخلوقين العاجزين عن الخلق ربما يملك دفع الضر وجلب النفع في الجملة كالحيوان وهؤلاء لا يقدرون على التصرف في ضر ما ليدفعوه عن أنفسهم ولا في نفع ما حتى يجلبوه إليهم فكيف يملكون شيئا منهما لغيرهم وتقديم ذكر الضر لأن دفعه مع كونه أهم في نفسه أول مراتب النفع وأقدمها والتنصيص على قوله تعالى «ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا» أي لا يقدرون على التصرف في شيء منها بإماتة الأحياء وإحياء الموتى وبعثهم بعد بيان عجزهم عما هو أهون من هذه الأمور من دفع الضر وجلب النفع للتصريح بعجزهم عن كل واحد مما ذكر على التفصيل والتنبيه على أن الإله يجب أن يكون قادرا على جميع ذلك وفيه إيذان بغاية جهلهم وسخافة عقولهم كأنهم غير عارفين بانتفاء ما نفي عن آلهتم من الأمور المذكورة مفتقرون إلى التصريح بذلك «وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك» شروع في حكاية أباطليهم المتعلقة بالمنزل والمنزل عليه معا وإبطالها والموصول إما عبارة عن غلاتهم في الكفر والطغيان وهم النضر بن الحرث وعبد الله بن أمية ونوفل بن خويلد ومن ضامهم وروى عن الكلبي ومقاتل أن القائل هو مضر بن الحرث والجمع لمشايعة الباقين له في ذلك وأما عن كلهم ووضع الموصول موضع ضميرهم لذمهم بما في حيز الصلة والإيذان بأن ما تفوهوا به كفر عظيم في كلمة هذا حط لرتبة المشار إليه أي ما هذا إلا كذب مصروف عن وجهه «افتراه» يريدون أنه اختلقه رسول الله صلى الله عليه وسلم «وأعانه عليه» أي على اختلاقه «قوم آخرون» يعنون اليهود بأن يلقوا إليه أخبار الأمم الدارجة وهو يعبر عنها بعبارته وقيل هما جبر ويسار كانا يصنعان السيف بمكة ويقرآن التوراة والإنجيل وقيل هو عابس وقد مر تفصيله في سورة النحل «فقد جاؤوا ظلما» منصوب بجاءوا فإن جاءوا أتى يستعملان في معنى فعل فيعديان تعديته أو بنزع الخافض أي بظلم قاله الزجاج والتنوين للتفخيم أي جاءوا بما قالوا ظلما هائلا عظيما لا يقادر قدره حيث جعلوا الحق البحت الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه إفكا مفترى من قبل البشر وهو من جهة نظمه الرائق وطرزه الفائق بحيث لو اجتمعت الإنس والجن على مباراته لعجزوا عن الإتيان بمثل آية من آياته ومن جهة اشتماله على الحكم الخفية والأحكام المستتبعة للسعادات الدينية والدنيوية والأمور الغيبية بحيث لا يناله عقول البشر ولا يفي بفهمه القوى والقدر
(٢٠٢)