ليس بأمر محتوم بل هو مفوض إلى رأيه صلى الله عليه وسلم والفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها أي بعد ما تحقق أن الكاملين في الإيمان هم المستأذنون فإذا استأذنوك «لبعض شأنهم» أي لبعض أمرهم المهم وخطبهم الملم «فأذن لمن شئت منهم» لما علمت في ذلك من حكمة ومصلحة «واستغفر لهم الله» فإن الاستئذان وإن كان لعذر قوي لا يخلو عن شائبة تقديم أمر الدنيا على أمر الآخرة «إن الله غفور» مبالغ في مغفرة فرطات العباد «رحيم» مبالغ في إفاضة آثار الرحمة عليهم والجملة تعليل للمغفرة الموعودة في ضمن الأمر بالاستغفار لهم «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم» استئناف مقرر لمضمون ما قبله والالتفات لإبراز مزيد الاعتناء بشأنه أي لا تجعلوا دعوته صلى الله عليه وسلم إياكم في الاعتقاد والعمل بها «كدعاء بعضكم بعضا» أي لا تقيسوا دعاءه صلى الله عليه وسلم إياكم على دعاء بعضكم بعضا في حال من الأحوال وأمر من الأمور التي من جملتها المساهلة فيه والرجوع عن مجلسه صلى الله عليه وسلم بغير استئذان فإن ذلك من المحرمات وقيل لا تجعلوا دعاءه صلى الله عليه وسلم ربه كدعاء صغيركم كبيركم يجيبه مرة ويرده أخرى فإن دعاءه مستجاب لا مرد له عند الله عز وجل وتقرير الجملة حينئذ لما قبلها إما من حيث إن استجابته تعالى لدعائه صلى الله عليه وسلم مما يوجب امتثالهم بأوامره صلى الله عليه سلم ومتابعتهم له في الورود والصدور أكمل إيجاب وإما من حيث إنها موجبة للاحتراز عن التعرض لسخطه صلى الله عليه وسلم المؤدي إلى ما يوجب هلاكهم من دعائه صلى الله عليه وسلم عليهم وأما ما قيل من أن المعنى لا تجعلوا نداءه صلى الله عليه وسلم كنداء بعضكم بعضا باسمه ورفع الصوت والنداء من رواء الحجرات ولكن بلقيه المعظم مثل يا رسول الله يا نبي الله مع غاية التوقير والتفخيم والتواضع وخفض الصوت فلا يناسب المقام فإن قوله تعالى «قد يعلم الله الذين يتسللون منكم» الخ وعيد لمخالفي أمره صلى الله عليه وسلم فيما ذكر من قبل فتوسيط ما ذكر بينهما مما لا وجه له والتسلل الخروج من البيت على التدريج والخفية وقد للتحقيق كما أن رب تجئ للتكثير حسبما بين في مطلع سورة الحجر أي يعلم الله الذين يخرجون من الجماعة قليلا قليلا على خفية «لواذا» أي ملاوذة بأن يستتر بعضهم ببعض حتى يخرج أو بأن يلوذ بمن يخرج بالإذن إراءة أنه من أتباعه وقرئ بفتح اللام وانتصابه على الحالية من ضمير يتسللون أي ملاوذين أو على أنه مصدر مؤكد لفعل مضمر هو الحال في الحقيقة أي يلوذون لواذا والفاء في قوله تعالى «فليحذر الذين يخالفون عن أمره» لترتيب الحذر أو الأمر به على ما قبلها من علمه تعالى بأحوالهم فإنه مما يوجب الحذر البتة أي يخالفون أمره بترك مقتضاه ويذهبون سمتا خلاف سمته وعن إما لتضمنه معنى الإعراض أو حمله على معنى يصدون عن أمره دون المؤمنين من خالفه عن الأمر إذا صد عنه دونه وحذف المفعول لما أن المقصود بيان المخالف والمخالف عنه والضمير لله تعالى لأنه الآمر حقيقة أو للرسول صلى الله عليه وسلم لأنه المقصود بالذكر «أن تصيبهم فتنة» أي محنة في الدنيا أو «يصيبهم عذاب أليم» أي في الآخرة وكلمة أو لمنع الخلو دون الجمع وإعادة الفعل صريحا
(١٩٨)