لا محالة كأنه قيل ليستخلفنهم في الأرض فيستخلفن فيها استخلافا أي مستخلفية كائنة كمستخفلية من قبله وقد مر تحقيقه في قوله تعالى كما سئل موسى من قبل ومن هذا القبيل قوله تعالى وأنبتها نباتا حسنا على أحد الوجهين أي فنبتت نباتا حسنا وعليه قول من قال وعضة دهر يا ابن مروان لم تدع * من المال إلا مسحت أو بحلف أي فلم يبق إلا مسحت الخ «وليمكنن لهم دينهم» عطف على ليستخلفنهم منتظم معه ف سلك الجواب وتأخيره عنه مع كونه أجل الرغائب الموعودة وأعظمها لما أن النفوس إلى الحظوظ العاجلة أميل فتصدير المواعيد بها في الاستمالة أدخل والمعنى ليجعلن دينهم ثابتا مقررا بحيث يستمرون على العمل بأحكامه ويرجعون إليه في كل ما يأتون وما يذرون والتعبير عن ذلك بالتمكين الذي هو جعل الشيء مكانا لآخر يقال مكن له في الأرض أي جعلها مقرا له ومنه قوله تعالى إنا مكنا له في الأرض ونظائره وكلمة في للإبذان بأن ما جعل مقرا له قطعة منها لا كلها للدلالة على كمال ثبات الدين ورصانة أحكامه وسلامته من التغيير والتبديل لابتنائه على تشبيهه بالأرض في الثبات والقرار مع ما فيه من مراعاة المناسبة بينه وبين الاستخلاف في الأرض وتقديم صلة التمكين على مفعوله الصريح للمسارعة إلى بيان كون الموعود من منافعهم تشويقها لهم إليه وترغيبا لهم في قبوله عند وروده ولأن في توسيطها بينه وبين وصفه أعنى قوله تعالى «الذي ارتضى لهم» وفي تأخيرها عنه من الإخلال بجزالة النظم الكريم ما لا يخفى وفي إضافة الدين إليهم وهو دين الإسلام ثم وصفه بارتضائه لهم تأليف لقلوبهم ومزيد ترغيب فيه وفضل تثبيت عليه «وليبدلنهم» بالتشديد وقرئ بالتخفيف من الإبدال «من بعد خوفهم» أي من الأعداء «آمنا» حيث كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة عشر سنين بل أكثر خائفين ثم هاجروا إلى المدينة وكانوا يصبحون في السلاح ويمسون كذلك حتى قال رجل منهم ما يأتي علينا يوم نأمن فيه فقال صلى الله عليه وسلم لا تعبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليس معه حديدة فانزل الله عز وجل هذه الآية وأنجز وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وفتح لهم بلاد الشرق والغرب وصاروا لي حال يخافهم كل من عداهم وفيه من الدلالة على صحة النبوة للإخبار بالغيب على ما هو عليه قبل وقوعه ما لا يخفى وقيل المراد الخوف من العذاب والأمن منه في الآخرة «يعبدونني» حال من الموصول الأول مفيدة لتقييد الوعد بالثبات على التوحيد أو استئناف ببيان المقتضى للاستخفاف وما انتظم معه في سلك الوعد «لا يشركون بي شيئا» حال من الواو أي يعبدونني غير مشركين بي في العبادة شيئا «ومن كفر» أي اتصف بالكفر بأن ثبت واستمر عليه ولم يتأثر بما مر من الترهيب الترغيب فإن الإصرار عليه بعد مشاهدة دلائل التوحيد كفر مستأنف زائدة على الأصل وقيل كفر بعد الإيمان وقيل كفر هذه النعمة العظيمة والأول هو الأنسب بالمقام «بعد ذلك» أي بعد ذلك الوعد الكريم بما فصل من المطالب العالية المستوجبة لغاية الاهتمام بتحصيلها والسعي الجميل في حيازتها «فأولئك» البعداء عن الحق التائهون في تيه الغواية والضلال «هم الفاسقون» الكاملون في الفسق والخروج عن حدود الكفر والطغيان «وأقيموا الصلاة وآتوا
(١٩١)