تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٦ - الصفحة ١٩١
لا محالة كأنه قيل ليستخلفنهم في الأرض فيستخلفن فيها استخلافا أي مستخلفية كائنة كمستخفلية من قبله وقد مر تحقيقه في قوله تعالى كما سئل موسى من قبل ومن هذا القبيل قوله تعالى وأنبتها نباتا حسنا على أحد الوجهين أي فنبتت نباتا حسنا وعليه قول من قال وعضة دهر يا ابن مروان لم تدع * من المال إلا مسحت أو بحلف أي فلم يبق إلا مسحت الخ «وليمكنن لهم دينهم» عطف على ليستخلفنهم منتظم معه ف سلك الجواب وتأخيره عنه مع كونه أجل الرغائب الموعودة وأعظمها لما أن النفوس إلى الحظوظ العاجلة أميل فتصدير المواعيد بها في الاستمالة أدخل والمعنى ليجعلن دينهم ثابتا مقررا بحيث يستمرون على العمل بأحكامه ويرجعون إليه في كل ما يأتون وما يذرون والتعبير عن ذلك بالتمكين الذي هو جعل الشيء مكانا لآخر يقال مكن له في الأرض أي جعلها مقرا له ومنه قوله تعالى إنا مكنا له في الأرض ونظائره وكلمة في للإبذان بأن ما جعل مقرا له قطعة منها لا كلها للدلالة على كمال ثبات الدين ورصانة أحكامه وسلامته من التغيير والتبديل لابتنائه على تشبيهه بالأرض في الثبات والقرار مع ما فيه من مراعاة المناسبة بينه وبين الاستخلاف في الأرض وتقديم صلة التمكين على مفعوله الصريح للمسارعة إلى بيان كون الموعود من منافعهم تشويقها لهم إليه وترغيبا لهم في قبوله عند وروده ولأن في توسيطها بينه وبين وصفه أعنى قوله تعالى «الذي ارتضى لهم» وفي تأخيرها عنه من الإخلال بجزالة النظم الكريم ما لا يخفى وفي إضافة الدين إليهم وهو دين الإسلام ثم وصفه بارتضائه لهم تأليف لقلوبهم ومزيد ترغيب فيه وفضل تثبيت عليه «وليبدلنهم» بالتشديد وقرئ بالتخفيف من الإبدال «من بعد خوفهم» أي من الأعداء «آمنا» حيث كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة عشر سنين بل أكثر خائفين ثم هاجروا إلى المدينة وكانوا يصبحون في السلاح ويمسون كذلك حتى قال رجل منهم ما يأتي علينا يوم نأمن فيه فقال صلى الله عليه وسلم لا تعبرون إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليس معه حديدة فانزل الله عز وجل هذه الآية وأنجز وعده وأظهرهم على جزيرة العرب وفتح لهم بلاد الشرق والغرب وصاروا لي حال يخافهم كل من عداهم وفيه من الدلالة على صحة النبوة للإخبار بالغيب على ما هو عليه قبل وقوعه ما لا يخفى وقيل المراد الخوف من العذاب والأمن منه في الآخرة «يعبدونني» حال من الموصول الأول مفيدة لتقييد الوعد بالثبات على التوحيد أو استئناف ببيان المقتضى للاستخفاف وما انتظم معه في سلك الوعد «لا يشركون بي شيئا» حال من الواو أي يعبدونني غير مشركين بي في العبادة شيئا «ومن كفر» أي اتصف بالكفر بأن ثبت واستمر عليه ولم يتأثر بما مر من الترهيب الترغيب فإن الإصرار عليه بعد مشاهدة دلائل التوحيد كفر مستأنف زائدة على الأصل وقيل كفر بعد الإيمان وقيل كفر هذه النعمة العظيمة والأول هو الأنسب بالمقام «بعد ذلك» أي بعد ذلك الوعد الكريم بما فصل من المطالب العالية المستوجبة لغاية الاهتمام بتحصيلها والسعي الجميل في حيازتها «فأولئك» البعداء عن الحق التائهون في تيه الغواية والضلال «هم الفاسقون» الكاملون في الفسق والخروج عن حدود الكفر والطغيان «وأقيموا الصلاة وآتوا
(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 (سورة طه) قوله تعالى: طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى. 2
2 قوله تعالى: منها خلقناكم وفيها نعيدكم الآية. 22
3 قوله تعالى: وما أعجلك عن قومك يا موسى. 33
4 قوله تعالى: وعنت الوجوه للحي القيوم الآية. 43
5 (سورة الأنبياء - الجزء السابع عشر) قوله تعالى: اقترب للناس حسابهم الآية. 53
6 قوله تعالى: ومن يقل منهم أني إله الآية. 64
7 قوله تعالى: وقد آتينا إبراهيم رشده الآية. 72
8 قوله تعالى: وأيوب إذ نادى ربه الآية. 81
9 (سورة الحج) قوله تعالى: يا أيها الناس اتقوا ربكم الآية. 91
10 قوله تعالى: هذان خصمان اختصموا في ربهم الآية. 101
11 قوله تعالى: إن الله يدافع عن الذين آمنوا الآية. 108
12 قوله تعالى: ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به الآية. 116
13 (سورة المؤمنون - الجزء الثامن عشر) قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون. 133
14 قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون. 134
15 قوله تعالى: ولو رحمناهم الآية. 145
16 (سورة النور) قوله تعالى: سورة أنزلناها وفرضناها الآية. 155
17 قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا الآية. 164
18 قوله تعالى: الله نور السماوات والأرض الآية. 175
19 قوله تعالى: وأقسموا بالله جهد أيمانهم الآية. 188
20 (سورة الفرقان) قوله تعالى: تبارك الذي نزل الفرقان الآية 200
21 [الجزء التاسع عشر] قوله تعالى: وقال الذين لا يرجون لقاءنا الآية 210
22 قوله تعالى: وهو الذي مرج البحرين الآية. 225
23 (سورة الشعراء) قوله تعالى: طسم تلك آيات الكتاب المبين. 233
24 قوله تعالى: وأوحينا إلى موسى الآية 244
25 قوله تعالى: قالوا أنؤمن لك الآية 254
26 أوفوا الكيل ولا تكونوا الآية 262
27 (سورة النمل) قوله تعالى: طس تلك آيات القرآن وكتاب مبين. 271
28 قوله تعالى: قال سننظر أصدقت الآية. 282
29 [الجزء العشرون] قوله تعالى: فما كان جواب قومه الآية 292
30 قوله تعالى: وإذا وقع القول عليهم أخرجنا الآية 300