أمر المعاش وغير ذلك من المفاسد ما لا يكاد يليق بأحد من الأداني والأراذل فضلا عن المؤمنين ولذلك عبر عن التنزيه بالتحريم مبالغة في الزجر وقيل النفي بمعنى النهي وقد قرئ به والتحريم على حقيقته والحكم إما مخصوص بسبب النزول أو منسوخ بقوله تعالى وأنكحوا الأيامي منكم فإنه متناول للمسافحات ويؤيده ما روي أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن ذلك فقال أوله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال وما قيل من أن المراد بالنكاح هو الوطء بين البطلان «والذين يرمون المحصنات» بيان لحكم العفائف إذا نسبن إلى الزنا بعد بيان حكم الزواني ويعتبر في الإحصان ههنا مع مدلوله الوضعي الذي هو العفة عن الزنا الحرية والبلوغ والإسلام وفي التعبير عن التفوه بما قالوا في حقهن بالرمي المنبئ عن صلابة الآلة وإيلام المرمى وبعده عن الرامي إيذان بشدة تأثيره فيهن وكونه رجما بالغيب والمراد به رميهن بالزنا لا غير وعدم التصريح به للاكتفاء بإيرادهن عقيب الزواني ووصفهن بالإحصان الدال بالوضع على نزاهتهن عن الزنا خاصة فإن ذلك بمنزلة التصريح بكون رميهن به لا محالة ولا حاجة في ذلك إلى الاستشهاد باعتبار الأربعة من الشهداء على أن فيه مؤنة بيان تأخر نزول الآية عن قوله تعالى فاستشهدوا عليهن أربعة ولا بعدم وجوب الحد بالرمي بغير الزنا على أن فيه شبهة المصاردة كأنه قيل والذين يرمون العفائف المنزهات عما رمين به من الزنا «ثم لم يأتوا بأربعة شهداء» يشهدون عليهن بما رموهن به وفي كلمة ثم إشعار بجواز تأخير الإتيان بالشهود كما أن في كلمة لم إشارة إلى تحقيق العجز عن الإتيان بهم وتقرره خلا أن اجتماع الشهود لا بد منه عند الأداء خلافا للشافعي رحمه الله تعالى فإنه جوز التراخي بين الشهادات كما بين الرمي والشهادة ويجوز ان يكون أحدهم زوج المقذوفة خلافا له أيضا وقرئ بأربعة شهداء «فاجلدوهم ثمانين جلدة» لظهور كذبهم وافترائهم بعجزهم عن الإتيان بالشهداء لقوله تعالى فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون وانتصاب ثمانين كانتصاب المصادر ونصب جلدة على التمييز وتخصيص رميهن بهذا الحكم مع أن حكم رمي المحصنين أيضا كذلك لخصوص الواقعة وشيوع الرمي فيهن «ولا تقبلوا لهم شهادة» عطف على اجلدوا داخل في حكمه تتمة له لما فيه من معنى الزجر لأنه مؤلم للقلب كما أن الجلد مؤلم للبدن وقد آذى المقذوف بلسانه فعوقب باهدار منافعه جزاء وفاقا واللام في لهم متعلقة بمحذوف هو حال من شهادة قدمت عليها لكونها نكرة ولو تأخرت عنها لكانت صفة لها وفائدتها تخصيص الرد بشهادتهم الناشئة عن أهليتهم الثابتة لهم عند الرمي وهو السر في قبول شهادة الكافر المحدود في القذف بعد التوبة والإسلام لأنها ليست ناشئة عن أهليته السابقة بل عن أهلية حدثت له بعد إسلامه فلا يتناولها الرد فتدبر ودع عنك ما قيل من أن المسلمين لا يعبأون بسبب الكفار فلا يلحق المقذوف بقذف الكافر من الشين والشنار ما يلحقه بقذف المسلم فإن ذلك بدون ما مر من الاعتبار تعليل في مقابلة النص ولا يخفي حاله فالمعنى لا تقبلوا منهم شهادة من الشهادات حال كونها
(١٥٧)