حاصلة لهم عند الرمي «أبدا» أي مدة حياتهم وإن تابوا وأصلحوا لما عرفت من أنه تتمة للحد كأنه قيل فاجلدوهم وردوا شهادتهم أي فاجمعوا لهم الجلد والرد فيبقى كأصله «وأولئك هم الفاسقون» كلام مستأنف مقرر لما قبله ومبين لسوء حالهم عند الله عز وجل وما في اسم الإشارة من معنى البعد للإيذان ببعد منزلتهم في الشر والفساد أي أولئك هم المحكوم عليهم بالفسق والخروج عن الطاعة والتجاوز عن الحدود الكاملون فيه كأنهم هم المستحقون لإطلاق اسم الفاسق عليهم لا غيرهم من الفسقة وقوله تعالى «إلا الذين تابوا» استثناء من الفاسقين كما ينبئ عنه التعليل الآتي ومحل المستثني النصب لأنه من موجب وقوله تعالى «من بعد ذلك» لتهويل المتوب عنه أي من بعد ما اقترفوا ذلك الذنب العظيم الهائل «وأصلحوا» أي أصلحوا أعمالهم التي من جملتها ما فرط منهم بالتلافي والتدارك ومنه الاستسلام للحد والاستحلال من المقذوف «فإن الله غفور رحيم» تعليل لما يفيده الاستثناء من العفو عن المؤاخذة بموجب الفسق كأنه قيل فحينئذ لا يؤاخذهم الله تعالى بما فرط منهم ولا ينظمهم في سلك الفاسقين لأنه تعالى مبالغ في المغفرة والرحمة هذا وقد علق الشافعي رحمه الله الاستثناء بالنهي فمحل المستثني حينئذ الجر على البدلية من الضمير في لهم وجعل الأبد عبارة عن مدة كونه قاذفا فتنتهي بالتوبة فتقبل شهادته بعدها «والذين يرمون أزواجهم» بيان لحكم الرامين لأزواجهم خاصة بعد بيان حكم الرامين لغيرهن لكن لا بأن يكون هذا مخصصا للمحصنات بالأجنبيات ليلزم بقاء الآية السابقة ظنية فلا يثبت بها الحد فإن من شرائط التخصيص أن لا يكون المخصص متراخى النزول بل بكونه ناسخا لعمومها ضرورة تراخي نزولها كما سيأتي فتبقى الآية السابقة قطعية الدلالة فيما بقي بعد النسخ لما بين موضعه أن دليل النسخ غير معلل «ولم يكن لهم شهداء» يشهدون بما رموهن به من الزنا وقرئ بتأنيث الفعل «إلا أنفسهم» بدل من شهداء أو صفة لها على أن إلا بمعنى غير جعلوا من جملة الشهداء إيذانا من أول الأمر بعدم إلغاء قولهم بالمرة ونظمه في سلك الشهادة في الجملة وبذلك ازداد حسن إضافة الشهادة إليهم في قوله تعالى «فشهادة أحدهم» أي شهادة كل واحد منهم وهو مبتدأ وقوله تعالى «أربع شهادات» خبره أي فشهادتهم المشروعة أربع شهادات «بالله» متعلق بشهادات لقربها وقيل بشهادة لتقدمها وقرئ أربع شهادات بالنصب على المصدر والعامل فشهادة على أنه إما خبر لمبتدأ محذوف أي فالواجب شهادة أحدهم وإما مبتدأ محذوف الخبر أي فشهادة أحدهم واجبة «إنه لمن الصادقين» أي فيما رماها به من الزنا وأصله على أنه الخ فحذف الجار وكسرت إن وعلق العامل عنها للتأكيد
(١٥٨)