المأمور به والمعنى قل لهم ذلك وبعد ذلك من شاء أن يؤمن به أو أن يصدقك فيه فليؤمن ومن شاء أن يكفر به أو يكذبك فيه فليفعل فقوله تعالى «إنا اعتدنا» وعيد شديد وتأكيد للتهديد وتعليل لما يفيده من الزجر عن الكفر أو لما يفهم من ظاهر التخيير من عدم المبالاة بكفرهم وقلة الاهتمام بزجرهم عنه فإن إعداد جزائه من دواعي الإملاء والإمهال وعلى الوجه الأول هو تعليل للأمر بما ذكر من التخيير التهديدي أي قل لهم ذلك إنا اعتدنا «للظالمين» أي هيأنا للكافرين بالحق بعد ما جاء من الله سبحانه والتعبير عنهم بالظالمين للتنبيه على أن مشيئة الكفر واختياره تجاوز عن الحد ووضع للشيء في غير موضعه «نارا» عظيمة عجيبة «أحاط بهم» أي يحيط بهم وإيثار صيغة الماضي للدلالة على التحقق «سرادقها» أي فسطاطها شبه به ما يحيط بهم من النار وقيل السرادق الحجرة التي تكون حول الفسطاط وقيل سرادقها دخانها وقيل حائط من نار «وإن يستغيثوا» من العطش «يغاثوا بماء كالمهل» كالحديد المذاب وقيل كدردى الزيت وهو على طريقة قوله فاعتبوا بالصيلم «يشوي الوجوه» إذا قدم ليشرب انشوى الوجه لحرارته عن النبي صلى الله عليه وسلم هو كعكر الزيت فإذا قرب إليه سقطت فروة وجهه «بئس الشراب» ذلك «وساءت» النار «مرتفقا» متكأ وأصل الاتفاق نصب المرفق تحت الخد وأنى ذلك في النار وإنما هو بمقابلة قوله تعالى «وحسنت مرتفقا» «إن الذين آمنوا» في محل التعليل للحث على الإيمان المنفهم من التخيير كأنه قيل والذين آمنوا ولعل تغيير سبكه للإيذان بكمال تنافي مآلي الفريقين أي إن الذين آمنوا بالحق الذي أوحى إليك «وعملوا الصالحات» حسبما بين في تضاعيفه «إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا» خبر إن الأولى هي الثانية مع ما في حيزها والراجع محذوف أي من أحسن منهم عملا أو مستغنى عنه كما في قولك نعم الرجل زيدا أو واقع موقعه الظاهر فإن من أحسن عملا في الحقيقة هو الذين آمن وعلم الصالحات «أولئك» المنعوتون بالنعوت الجليلة «لهم جنات عدن تجري من تحتهم الأنهار» استئناف لبيان الأجر أو هو الخبر وما بنيهما اعتراض أو هو خبر بعد خبر «يحلون فيها من أساور من ذهب» من الأولى ابتدائية والثانية بيانية صفة لأساور والتنكير للتفخيم وهو جمع أسورة أو أسور جمع سوار «ويلبسون ثيابا خضرا» خصت الخضرة بثيابهم لأنها أحسن الألوان وأكثرها طراوة «من سندس وإستبرق» أي ممارق من الديباج وما غلظ جمع بين النوعين للدلالة على أن فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين «متكئين فيها على الأرائك» على السرر على ما هو شأن المتنعمين «نعم الثواب» ذلك «وحسنت» أي الأرائك «مرتفقا»
(٢٢٠)