(قل كل) أي كل أحد منكم وممن هو على خلافكم (يعمل) عمله (على شاكلته) طريقته التي تشاكل حاله في الهدى والضلال أو جوهر روحه وأحواله التابعة لمزاج بدنه (قربكم) الذي برأكم على هذه الطبائع المتخالفة (أعلم بمن هو أهدى سبيلا) أي أسد طريقا وأبين منهاجا وقد فسرت الشاكلة بالطبيعة والعادة والدين (ويسألونك عن الروح) الظاهر أن السؤال كان عن حقيقة الروح الذي هو مدبر البدن الإنساني ومبدأ حياته روى أن اليهود قالوا لقريش سلوه عن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن أجاب عنها جميعا أو سكت فليس بنبي وإن أجاب عن بعض وسكت عن بعض فهو نبي فبين لهم القصتين وأبهم أمر الروح وهو مبهم في التوراة (قل الروح) أظهر في مقام الإضمار إظهارا لكمال الاعتناء بشأنه (من أمر ربي) كلمة من بيانية والأمر بمعنى الشأن والإضافة للاختصاص العلمي لا الايجادي لاشتراك الكل فيه وفيها من تشريف المضاف مالا يخفى كما في الإضافة الثانية من تشريف المضاف إليه أي هو من جنس ما استأثر الله تعالى بعلمه من الأسرار الخفية التي لا يكاد يحوم حولها عقول البشر (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) لا يمكن تعلقه بأمثال ذلك روى أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك قالوا نحن مختصون بهذا الخطاب قال صلى الله عليه وسلم بل نحن وأنتم فقالوا ما أعجب شأنك ساعة تقول ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وساعة تقول هذا فنزلت ولو أن ما الأرض من شجرة أقلام الآية وإنما قالوا ذلك لركاكة عقولهم فإن الحكمة الإنسانية أن يعلم من الخير ما تسعه الطاقة البشرية بل ما نيط به المعاش والمعاد وذلك بالإضافة إلى مالا نهاية له من معلوماته سبحانه قليل ينال به خير كثير في نفسه أو بالنسبة إلى الإنسان أو هو من الإبداعيات الكائنة بمحض الأمر التكويني من غير تحصل من مادة وتولد من أصل كأعضاء الجسد حتى يمكن تعريفه ببعض مباديه ومآله أنه من عالم الأمر لا من عالم الخلق وليس هذا من قبيل قوله سبحانه إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فإن ذلك عبارة عن سرعة التكوين سواء كان الكائن من عالم الأمر أو من عالم الخلق وفيه تنبيه على أنه مما لا يحيط بكنهه دائرة إدراك البشر وإنما الممكن هذا القدر الإجمالي المندرج تحت ما استثنى بقوله تعالى وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أي إلا علما قليلا تستفيدونه من طرق الحواس فإن تعقل المعارف النظرية إنما هو من إحساس الجزيئات ولذلك قيل من فقد حسا فقد فقد علما ولعل أكثر الأشياء لا يدركه الحس ولا شيء من أحواله التي يدور عليها معرفة ذاته وأما حمل ما ذكر على السؤال عن قدمه وحدوثه وجعل الجواب إخبارا بحدوثه أي كائن بتكوينه حادث بإحداثه بالأمر التكويني فمع عدم ملاءمته لحال السائلين لا يساعده التعرض لبيان قلة علمهم فإن ما سألوا عنه مما يفي به علمهم حينئذ وقد أخبر عنه وقيل المراد بالروح خلق عظيم روحاني أعظم من الملك وقيل جبريل عليه السلام وقيل القرآن ومعنى من أمر ربي من وحيه وكلامه لا من كلام البشر
(١٩٢)