وهو عدة كريمة بإجابة الدعاء بالسلطان النصير الذي لقنه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما فجعل ينكت بمخصرة كانت بيده في عين واحد واحد ويقول جاء الحق وزهق الباطل فينكب لوجهه حتى ألقى جميعها وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة وكان من صفر فقال يا علي ارم به فصعد فرمى به فكسره (وتنزل من القرآن) وقرئ ننزل من الإنزال (ما هو شفاء) لما في الصدور من أدواء الريب وأسقام الأوهام (ورحمة للمؤمنين) به العالمين بما في تضاعيفه أي ما هو في تقويم دينهم واستصلاح نفوسهم كالدواء الشافي للمرضى من بيانية قدمت على المبين اعتناء فإن كل القرآن كذلك وعن النبي صلى الله عليه وسلم من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله أو تبعيضية لكن لا بمعنى أن بعضه ليس كذلك بل بمعنى أنا ننزل منه في كل نوبة ما تستدعي الحكمة نزوله حينئذ فيقع ذلك ممن نزل عليهم بسبب موافقته لأحوالهم الداعية إلى نزوله موقع الدواء الشافي المصادف للا بأنه من المرضى المحتاجين إليه بحسب الحال من غير تقديم ولا تأخير فكل بعض منه متصف بالشفاء لكن لا في كل حين بل عند تنزيله وتحقيق التبعيض باعتبار الشفاء الجسماني كما في الفاتحة وآيات الشفاء لا يساعده قوله سبحانه (ولا يزيد الظالمين إلى خسارا) أي لا يزيد القرآن كله أو كل بعض منه الكافرين المكذبين به الواضعين لأشياء في غير مواضعها مع كونه في نفسه شفاء من الأسقام إلا خسارا أي هلاكا بكفرهم وتكذيبهم لا نقصانا كما قيل فإن ما بهم من داء الكفر والضلال حقيق بأن يعبر عنه بالهلاك لا بالنقصان المنبئ عن حصول بعض مبادئ الأسقام فيهم وزيادتهم في مراتب الهلاك من حيث أنهم كلما جددوا الكفر والتكذيب بالآيات النازلة تدريجيا ازدادوا بذلك هلاكا وفيه إيماء إلى أن ما بالمؤمنين من الشبه والشكوك المعترية لهم في أثناء الاهتداء والاسترشاد بمنزلة الأمراض وما بالكفرة من الجهل والعناد بمنزلة الموت والهلاك وإسناد الزيادة المذكورة إلى القرآن مع أنهم هم المزدادون في ذلك بسوء صنيعهم واعتبار كونه سببا لذلك وفيه تعجيب من أمره حيث يكون مدارا للشفاء والهلاك (وإذا أنعمنا على الإنسان) بالصحة والنعمة (أعرض) عن ذكرنا فضلا عن القيام بموجب الشكر (ونأى) تباعد عن طاعتنا (بجانبه) النأي بالجانب أن يلوي عن الشيء عطفه ويوليه عرض وجهه فهو تأكيد للإعراض أو عبارة عن الاستكبار لأنه من ديدن المستكبرين (وذا مسه الشر) من فقر أو مرض أو نازلة من النوازل وفي إسناد المساس إلى الشر بعد إسناد الإنعام إلى ضمير الجلالة إيذان بأن الخير مراد بالذات والشر ليس كذلك (كان يئوسا) شديد اليأس من روحنا وهذا وصف للجنس باعتبار بعض أفراده ممن هو على هذه الصفة ولا ينافيه وقوله تعالى وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض ونظائره فإن ذلك شأن بعض آخرين منهم وقيل أريد به الوليد بن المغيرة وقرئ ناء إما على القلب كما يقال راء في رأى وإما على أنه بمعنى نهض
(١٩١)