فعلنا بهم في الدنيا ما فعلنا من التكريم والتفضيل وهذا شروع في بيان تفاوت أحوالهم في الآخرة بحسب أحوالهم وأعمالهم في الدنيا (بإمامهم) أي بمن ائتموا به من نبي أو مقدم في الدين أو كتاب أو دين وقيل بكتاب أعمالهم التي قدموها فيقال يا أصحاب كتاب الخير يا أصحاب كتاب الشر أو يا أهل دين كذا يا أهل كتاب كذا وقيل الإمام جمع أم كخف وخفاف والحكمة في دعوتهم بأمهاتهم بإجلال عيسى عليه السلام وتشريف الحسنين رضي الله عنهما والستر على أولاد الزنا (فمن أوتي) يومئذ من أولئك المدعوين (كتابه) صحيفة أعماله (بيمينه) إبانة لخطر الكتاب المؤتى وتشريفا لصاحبه وتبشيرا له من أول الأمر بما في مطاوية (فأولئك) إشارة إلى من باعتبار معناه إيذانا بأنهم حزب مجتمعون على شأن جليل أو إشعار بأن قراءتهم لكتبهم تكون على وجه الاجتماع لا على وجه الانفراد كما في حال الإيتاء وما فيه من الدلالة على البعد للإشعار برفعة درجاتهم أي أولئك المختصون بتلك الكرامة التي يشعر بها الإيتاء المزبور (يقرءون كتابهم) الذي أوتوه على الوجه المبين تبجحا بما سطر فيه من الحسنات المستتبعة لفنون الكرامات (ولا يظلمون) أي لا ينقصون من أجور أعمالهم المرتسمة في كتبهم بل يؤتونها مضاعفة (فتيلا) أي قدر فتيل وهو القشرة التي في شق النواة أو أدنى شيء فإن الفتيل مثل في القلة والحقارة (ومن كان) من المدعوين المذكورين (في هذه) الدنيا التي فعل بهم فيها ما فعل من فنون التكريم والتفضيل (أعمى) فاقد البصيرة لا يهتدي إلى رشده ولا يعرف ما أوليناه من نعمة التكرمة والتفضيل فضلا عن شكرها والقيام بحقوقها ولا يستعمل ما أودعناه فيه من العقول والقوى فيما خلقن له من العلوم والمعارف الحقة (فهو في الآخرة) التي عبر عنها بيوم ندعو (أعمى) كذلك أي لا يهتدي إلى ما ينجيه ولا يظفر بما يجديه لأن العمى الأول موجب للثاني وقد جوز كون الثاني بمعنى التفضيل على أن عماه في الآخرة أشد من عماه في الدنيا ولذلك قرأ أبو عمرو الأول مما لا والثاني مفخما (وأضل سبيلا) أي من الأعمى لزوال الاستعداد الممكن وتعطل الآلات بالكلية وهذا بعينه هو الذي أوتي كتابه بشماله بدلالة حال ما سبق من الفريق المقابل له ولعل العدول عن ذكره بذلك العنوان مع أنه الذي يستدعيه حسن المقابلة حسبما هو الواقع في سورة الحاقة وسورة الانشقاق للإيذان بالعلة الموجبة له كما في قوله تعالى وأما إن كان من المكذبين الضالين بعد قوله تعالى فأما إن كان من أصحاب اليمين وللرمز إلى علة حال الفريق الأول وقد ذكر في أحد الجانبين المسبب وفي الآخرة السبب ودل بالمذكور في كل منهما على المتروك في الآخر تعويلا على شهادة العقل كما في قوله عز وعلا وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا راد لفضله (وإن كادوا ليفتنونك) نزلت في ثقيف إذ قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لا ندخل في أمرك حتى تعطينا خصالا نفتخر بها على العرب لا نعشر ولا نحشر ولا نجبي في صلاتنا كل ربا لنا فهو لنا كل ربا علينا فهو موضوع عنا وأن تمتعنا باللات سنة وأن تحرم
(١٨٧)