(ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) من القرآن الذي هو شفاء ورحمة للمؤمنين ومنبع للعلوم التي أوتيتموها وثبتناك عليه حين كادوا يفتنونك عنه ولولاه لكدت تركن إليهم شيئا قليلا وإنما عبر عنه بالموصول تفخيما لشأنه ووصفا له بما في حيز الصلة ابتداء وإعلاما بحاله من أول الأمر وبأنه ليس من قبيل كلام المخلوق واللام موطئة للقسم ولنذهبن جوابه النائب مناب جزاء الشرط وبذلك حسن حذف مفعول المشيئة والمراد من الذهاب به المحو من المصاحف والصدور وهو أبلغ من الإذهاب عن ابن مسعود رضي الله عنه أن أول ما تفقدون من دينكم الأمانة وآخر ما تفقدون الصلاة وليصلين قوم ولا دين لهم وأن هذا القرآن تصبحون يوما وما فيكم منه شيء فقال رجل كيف ذلك وقد أثبتناه في قلوبنا وأثبتناه في مصاحفنا نعلمه أبناءنا ويعلمه أبناؤنا أبناءهم فقال يسرى عليه ليلا فيصبح الناس منه فقراء ترفع المصاحف وينزع ما في القلوب (ثم لا تجد لك به) أي القران (علينا وكيلا) من يتوكل علينا استرداده مسطورا محفوظا (الا رحمة من ربك) فإنها ان نالتك لعلها تسترده عليك ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعا بمعنى ولكن رحمة من ربك تركته غير مذهوب به فيكون امتنانا بابقائه بعد المنة بتنزيله وترغيبا في المحافظة على أداء حقوقه وتحذيرا من أن لا يقدر قدره الجليل ويفرط في القيام بشكره وهو أجل النعم وأعظمها (ان فضله كان عليك كبيرا) كإرسالك وانزال الكتاب عليك وابقائه في حفظك وغير ذلك (قل) للذين لا يعرفون جلالة قدر التنزيل ولا يفهمون فخامة شأنه الجليل بل يزعمون أنه من كلام البشر (لئن اجتمعت الانس والجن) أي اتفقوا (على أن يأتو بمثل هذا القران) المنعوت بما لا تدركه العقول من النعوت الجليلة في البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى وتخصيص الثقلين بالذكر لأن المنكر لكونه من عند الله تعالى منهما لا من غيرهما لا لأن غيرهما قادر على المعارضة (لا يأتون بمثله) أوثر الإظهار على ايراد الضمير الراجع إلى المثل المذكور احترازا عن أن يتوهم أن له مثلا معينا وايذانا بأن المراد نفي الاتيان بمثل ما أي لا يأتون بكلام مماثل له فيما ذكر من الصفات البديعة وفيهم العرب العاربة أرباب البراعة والبيان وهو جواب للقسم الذي ينبئ عنه اللام الموطئة وساد مسد جزاء الشرط ولولاها لكان جوابا له بغير جزم لكون الشرط ماضيا كما في قول زهير * وان أتاه خليل يوم مسألة * يقول لا غائب مالي ولا حرم * وحيث كان المراد بالاجتماع على الاتيان بمثل القران مطلق الاتفاق عل ذلك سواء كان التصدي للمعارضة من كل واحد منهم على الانفراد أو من المجموع بأن يتألبوا على تلفيق كلام واحد بتلاحق الأفكار وتعاضد الأنظار قيل ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا
(١٩٣)