إلى الكل لأنهم الأصول في الخطاب والباقي أتباع لهم ولأن توجه الأمر إليهم آكدو عدم التعرض للمأمور به إما لظهور أن المراد به الحق والخير لأن الله لا يأمر بالفحشاء لا سيما بعد ذكر هداية القرآن لما يهدي إليه وإما لأن المراد وجد منا الأمر كما يقال فلان يعطي ويمنع «ففسقوا فيها» أي خرجوا عن الطاعة وتمردوا «فحق عليها القول» أي ثبت وتحقق موجبه بحلول العذاب إثر ما ظهر منهم من الفسق والطغيان «فدمرناها» بتدمير أهلها «تدميرا» لا يكتنه كنهه ولا يوصف هذا هو المناسب لما سبق وقيل الأمر مجاز عن الحمل على الفسق والتسبب له بأن صب عليهم ما أبطرهم وأفضى بهم إلى الفسوق وقيل هو بمعنى التكثير يقال أمرت الشيء فأمر أي كثرته فكثر وفي الحديث خير المال سكة مأبورة ومهرة مأمورة أي كثيرة النتاج ويعضده قراءة آمرنا وأمرنا من الإفعال والتفعيل وقد جعلتا من الإمارة أي جعلناهم أمراء وكل ذلك لا يساعده مقام الزجر عن الضلال والحث على الاهتداء فإن مؤدى ذلك أن طغيانهم منوطا بإرادة الله سبحانه وإنعامه عليهم بنعم وافرة أبطرتهم وحملتهم على الفسق حملا حقيقا بأن يعبر عنه بالأمر به «وكم أهلكنا» أي وكثيرا ما أهلكنا «من القرون» بيان لكم وتمييز له والقرن مدة من الزمان يخترم فيها القوم وهي عشرون أو ثلاثون أو أربعون أو ثمانون أو مائة وقد أيد ذلك بأنه عليه الصلاة والسلام دعا لرجل فقال عش قرنا فعاش مائة سنة أو مائة وعشرون «من بعد نوح» من بعد زمنه عليه الصلاة والسلام كعاد وثمود ومن بعدهم ممن قصت أحوالهم في القرآن العظيم ومن لم تقص وعدم نظم قومه عليه الصلاة والسلام في تلك القرون المهلكة لظهور أمرهم على أن ذكره عليه الصلاة والسلام رمز إلى ذكرهم «وكفى بربك» أي كفى ربك «بذنوب عباده خبيرا بصيرا» يحيط بظواهرها وبواطنها فيعاقب عليها وتقديم الخبير لتقدم متعلقة من الاعتقادات والنيات التي هي مبادئ الأعمال الظاهرة أو لعمومه حيث يتعلق بغير المبصرات أيضا وفيه إشارة إلى أن البعث والأمر وما يتلوهما من فسقهم ليس لتحصيل العلم بما صدر عنهم من الذنوب فإن ذلك حاصل قبل ذلك وإنما هو لقطع الأعذار وإلزام الحجة من كل وجه «من كان يريد» بأعماله التي يعملها سواء كان ترتب المراد عليها بطريق الجزاء كأعمال البر أو بطريق ترتب المعلولات على العلل كالأسباب أو بأعمال الآخرة فالمراد بالمريد على الأول الكفرة وأكثر الفسقة وعلى الثاني أهل الرياء والنفاق والمهاجر للدنيا والمجاهد لمحض الغنيمة «العاجلة» فقط من غير أن يريد معها الآخرة كما ينبئ عنه الاستمرار المستفاد من زيادة كان ههنا مع الاقتصار على مطلق الإرادة في قسيمة والمراد بالعاجلة الدار الدنيا وبإرادتها إرادة ما فيها من فنون مطالبها كقوله تعالى ومن كان يريد حرث الدنيا ويجوز ان يراد الحياة العاجلة كقوله عز وجل من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها لكن الأول أنسب بقوله «عجلنا له فيها» أي في تلك العاجلة فإن
(١٦٣)