تفسير أبي السعود - أبي السعود - ج ٥ - الصفحة ١٥٢
أي إن أردتم المعاقبة على طريقة قول الطبيب للمحتمي إن أكلت فكل قليلا (فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) أي بمثل ما فعل بكم وقد عبر عنه بالعقاب على طريقة إطلاق اسم المسبب على السبب نحو كما تدين تدان أو على نهج المشاكلة والمقصود إيجاب مراعاة العدل مع من يناصبهم من غير تجاوز حين ما آل الجدال إلى القتال وأدى النزاع إلى القراع فإن الدعوة المأمور بها لا تكاد تنفك عن ذلك كيف لا وهي موجبة لصرف الوجوه عن القبل المعبودة وإدخال الأعناق في قلادة غير معهودة قاضية عليهم بفساد ما يأتون وما يذرون وبطلان دين استمرت عليه آباؤهم الأولون وقد ضاقت عليهم الحيل وعيت بهم العلل وسدت عليهم طرق المحاجة والمناظرة وأرتجت دونهم أبواب المباحثة والمحاورة وقيل إنه عليه الصلاة والسلام لما رأى حمزة رضي الله عنه يوم أحد قد مثل به قال لئن أظفرني الله بهم لأمثلن بسبعين مكانك فنزلت فكفر عن يمينه وكف عما أراده وقرئ وإن عقبتم فعقبوا أي وإن قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم غير متجاوزين عنه والأمر وإن دل على إباحة المماثلة في المثلة من غير تجاوز لكن في تقييده بقوله وإن عاقبتم حيث على العفو تعريضا وقد صرح به على الوجه الآكد فقيل «ولئن صبرتم» أي عن المعاقبة بالمثل «لهو» أي لصبركم ذلك «خير» لكم من الانتصار بالمعاقبة وإنما قيل «للصابرين» مدحا لهم وثناء عليهم بالصبر أو وصفا لهم بصفة تحصل لهم عند ترك المعاقبة ويجوز عود الضمير إلى مطلق الصبر المدلول عليه بالفعل فيدخل فيه صبرهم كدخول أنفسهم في جنس الصابرين دخولا أوليا ثم أمر عليه الصلاة والسلام صريحا بما ندب إليه غيره تعريضا من الصبر لأنه أولى الناس بعزائم الأمور لزيادة علمه بشئونه سبحانه ووفور وثوقه به فقيل «واصبر» أي على ما أصابك من جهتهم من فنون الآلام والأذية وعاينت من إعراضهم عن الحق بالكلية «وما صبرك إلا بالله» استثناء مفرغ من أعم الأشياء أي وما صبرك ملابسا ومصحوبا بشيء من الأشياء إلا بالله أي بذكره والاستغراق في مراقبة شؤونه والتبتل إليه بمجامع الهمة وفيه من تسليته عليه الصلاة والسلام وتهوين مشاق الصبر عليه وتشريفه مالا مزبد عليه أو إلا بمشيئته المبينة على حكم بالغة مستتبعة لعواقب حميدة فالتسلية من حيث اشتماله على غايات جميلة وقيل إلا بتوفيقه ومعونته فهي من حيث تسهيله وتيسيره فقط «ولا تحزن عليهم» أي على الكفارين بوقوع اليأس من إيمانهم بك ومتابعتهم لك نحو فلا تأس على القوم الكافرين وقيل على المؤمنين وما فعل بهم والأول هو الأنسب بجزالة النظم الكريم «ولا تك في ضيق» بالفتح وقرئ بالكسر وهما لغتان كالقول والقيل أي لا تكن في ضيق صدر وحرج ويجوز أن يكون الأول تخفيف ضيق كهين من هين أي في أمر ضيق «مما يمكرون» أي من مكرهم بك فيما يستقبل فالأول نهى عن التألم بمطلوب من قبلهم فات والثاني عن التألم بمحذور من جهتهم آت والنهي عنهما مع أن انتفاءهما من لوازم الصبر المأمور به لا سيما على الوجه الأول لزيادة التأكيد وإظهار كمال العناية بشأن التسلية وإلا فهل يخطر ببال من توجه إلى الله سبحانه بشر أشر نفسه متنزها عن كل ما سواه من الشواغل شيء من المطلوب فينهي عن الحزن
(١٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 سورة الرعد 2
2 قوله تعالى: وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أ إنا لفي خلق جديد. 6
3 قوله تعالى: أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب. 16
4 قوله تعالى: مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار أكلها دائم و ظلها تلك عقبى الذين اتقوا. 25
5 سورة إبراهيم 30
6 قوله تعالى: قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض. 36
7 قوله تعالى: ألهم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار. 45
8 الجزء الرابع عشر (سورة الحجر) قوله تعالى: الر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين. 63
9 قوله تعالى: نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم و أن عذابي هو العذاب الأليم. 80
10 (سورة النحل) قوله تعالى: أتى أمر الله فلا تستعجلوه. 94
11 قوله تعالى: وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة. 110
12 قوله تعالى: وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد فارهبون. 119
13 قوله تعالى: ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا. 129
14 قوله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. 136
15 قوله تعالى: يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها و توفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون. 144
16 الجزء الخامس عشر (سورة الإسراء) قوله تعالى: سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير. 154
17 قوله تعالى: وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا. 166
18 قوله تعالى: وقل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم. 177
19 قوله تعالى: ولقد كرمنا بني آدم و حملناهم في البر والبحر و رزقناهم من الطيبات. 186
20 قوله تعالى: أولم يروا أن الله خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم. 197
21 (سورة الكهف) 202
22 قوله تعالى: وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين. 211
23 قوله تعالى: واضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب و حففناهما بنخل. 221
24 قوله تعالى: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض ولا خلق أنفسهم. 228
25 الجزء السادس عشر قوله تعالى: قال ألم أقل لك إنك تستطيع معي صبرا. 236
26 قوله تعالى: وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا. 247
27 (سورة مريم عليها السلام) 252
28 قوله تعالى: فحملته فانتبذت به مكانا قصيا. 261
29 قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف تلقون غيا. 272