«وكل إنسان» مكلف «ألزمناه طائره» أي عمله الصادر عنه باختياره حسبما قدر له كأنه طار إليه من عش الغيب ووكر القدر أو ما وقع له في القسمة الأزلية الواقعة حسب استحقاقه في العلم الأزلي من قولهم طار له سهم كذا «في عنقه» تصوير لشدة اللزوم وكمال الارتباط أي ألزمناه عمله بحيث لا يفارقه أبدا بل يلزمه لزوم القلادة أو الغل للعنق لا ينفك عنه بحال وقرئ بسكون النون «ونخرج له» بنون العظمة وقد قرئ بالياء مبنيا للفاعل على أن الضمير لله عز وجل وللمفعول والضمير للطائر كما في قراءة يخرج من الخروج «يوم القيامة» والبعث للحساب «كتابا» مسطورا فيه ما ذكر من عمله نقيرا وقطميرا وهو مفعول لنخرج على القراءتين الأوليين أو حال من المفعول المحذوف الراجع إلى الطائر وعلى الأخريين حال من المستتر في الفعل من ضمير الطائر «يلقاه» أي يلقى الإنسان أو يلقاه الإنسان «منشورا» وهما صفتان للكتاب أو الأولى صفة والثاني حال منها وقرئ يلقاه من لقيته كذا أي يلقى الإنسان إياه قال الحسن بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان فهما عن يمينك وعن شمالك فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن شمالك فيحفظ سيئاتك حتى إذا مت طويت صحيفتك وجعلت معك في قبرك حتى تخرج لك يوم القيامة «اقرأ كتابك» أي قائلين لك ذلك عن قتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئا وقيل المراد بالكتاب نفسه المنتقشة بآثار أعماله فإن كل عمل يصدر من الإنسان خيرا أو شرا يحدث منه في جوهر روحه أمر مخصوص إلا أنه يخفى ما دام الروح متعلقا بالبدن مشتغلا بواردات الحواس والقوى فإذا انقطعت علاقته عن البدن قامت قيامته لأن النفس كانت ساكنة مستقرة في الجسد وعند ذلك قامت وتوجهت نحو الصعود إلى العالم العلوي فيزول الغطاء وتنكشف الأحوال ويظهر على لوح النفس نقش كل شيء عمله في مدة عمره وهذا معنى الكتابة والقراءة «كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا» أي كفى نفسك والباء زائدة واليوم ظرف لكفى وحسيبا تمييز وعلى صلته لأنه بمعنى الحاسب كالصريم بمعنى الصارم من حسب عليه كذا أو بمعنى الكافي ووضع موضع الشهيد لأنه يكفي المدعي ما أهمه وتذكيره لأن ما ذكر من الحساب والكفاية مما يتولاه الرجال أو لأنه مبنى على تأويل النفس بالشخص على أنها عبارة عن النفس المذكر كقول جبلة بن حريث [يا نفس إنك باللذات مسرور فاذكر فهل ينفعنك اليوم تذكير] «من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه» فذلكة لما تقدم من بيان كون القرآن هاديا لأقوم الطرائق ولزوم الأعمال لأصحابها أي من اهتدى بهدايته وعلم بما في تضاعيفه من الأحكام وانتهى عما نهاه عنه فإنما تعود
(١٦١)