بعض منه وهو الكافر يدعو لنفسه بما هو الشر من العذاب المذكور إما بلسانه حقيقة كدأب من قال منهم اللهم إن كان هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم ومن قال فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين إلى غير ذلك مما حكى عنهم وأما بأعمالهم السيئة المفضية إليه الموجبة له مجازا كما هو ديدن كلهم «دعاءه بالخير» أي مثل دعاءه بالخير المذكور فرضا لا تحقيقا فإنه بمعزل من الدعاء به وفيه رمز إلى أنه اللائق بحاله «وكان الإنسان» أي من أسند إليه الدعاء المذكور من أفراده «عجولا» يسارع إلى طلب ما يخطر بباله متعاميا عن ضرره أو مبالغا في العجلة يستعجل العذاب وهو آتيه لا محالة ففيه نوع تهكم به وعلى تقدير حمل الدعاء على أعمالهم تحمل العجولية على اللج والتمادي في استيجاب العذاب بتلك الأعمال وعلى الثاني أن القرآن يدعو الإنسان إلى ما هو خير وهو في بعض أحيانه كما عند الغضب يدعه ويدعو الله تعالى لنفسه وأهله وماله بما هو شر وكان الإنسان بحسب جبلته عجولا ضجرا لا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه روى أنه عليه الصلاة والسلام دفع إلى سودة أسيرا فأرخت كتافه رحمة لأنينه بالليل من ألم القيد فهرب فلما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم اقطع يديها فرفعت سودة يديها تتوقع الإجابة فقال صلى الله عليه وسلم إن سألت الله تعالى أن يجعل دعائي على من لا يستحق من أهلي عذابا رحمة أو يدعو بما هو شر وهو يحسبه خيرا وكان الإنسان عجولا غير متبصر لا يتدبر في أموره حق التدبر ليتحقق ما هو خير حقيق بالدعاء به وما هو شر جدير بالاستعاذة منه «وجعلنا الليل والنهار آيتين» شروع في بيان بعض وجوه ما ذكر من الهداية بالإرشاد إلى مسلك الاستدلال بالآيات والدلائل الآفاقية التي كل واحدة منها برهان نير لا ريب فيه ومنهاج بين لا يضل من لا ينتحيه فإن الجعل المذكور وما عطف عليه من محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة وإن كانت من الهدايات التكوينية لكن الأخبار بذلك من الهدايات القرآنية المنبهة على تلك الهدايات وتقديم الليل لمراعاة الترتيب الوجودي إذ منه ينسلخ النهار وفيه تظهر غرر الشهور ولو أن الليلة أضيفت إلى ما قبلها من النهار لكانت من شهر وصاحبها من شهر آخر ولترتيب غاية آية النهار عليها بلا واسطة أي جعلنا الملوين بهيا تهما وتعاقبهما واختلافهما في الطول والقصر على وتيرة عجيبة يحار في فهمها العقول آيتين تدلان على أن لهما صانعا حكيما قادرا عليما وتهديان إلى ما هدى إليه القرآن الكريم من ملة الإسلام والتوحيد «فمحونا آية الليل» الإضافة أما بيانية كما في إضافة العدد إلى المعدود أي محونا الآية التي هي الليل وفائدتها تحقيق مضمون الجملة السابقة ومحوها جعلها ممحوة الضوء مطموسته لكن لا بعد أن لم يكن كذلك بل إبداعها على ذلك كما في قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل أي أنشأهما كذلك والفاء تفسيرية لأن المحو المذكور وما عطف عليه ليس مما يحصل عقيب جعل الجديدين آيتين بل هما من جملة ذلك الجعل ومتمماته «وجعلنا آية النهار» أي الآية التي هي النهار على نحو ما مر «مبصرة»
(١٥٩)