توبة أخرى وانزجرتم عما كنتم عليه من المعاصي «وإن عدتم» إلى ما كنتم فيه من الفساد مرة أخرى «عدنا» إلى عقوبتكم ولقد عادوا فأعاد الله سبحانه عليهم النقمة بأن سلط عليهم الأكاسرة ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الإتاوة ونحو ذلك وعن الحسن عادوا فبعث الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم فهم يعطون الجزية عن يد وهم صاغرون وعن قتادة مثله «وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا» أي محبسا لا يستطيعون الخروج منها أبد الآبدين وقيل بساطا كما يبسط الحصير وإنما عدل عن أن يقال وجعلنا جهنم لكم تسجيلا على كفرهم بالعود وذما لهم بذلك وإشعار بعلة الحكم «إن هذا القرآن» الذي آتيناكه «يهدي» أي الناس كافة لا فرقة مخصوصة منهم كدأب الكتاب الذي آتيناه موسى «للتي» للطريقة التي «هي أقوم» أي أقوم الطرائق وأسدها أعني ملة الإسلام والتوحيد وترك ذكرها ليس لقصد التعميم لها وللحالة والخصلة ونحوها مما يعبر به عن المقصد المذكور بل للإيذان بالغنى عن التصريح بها لغاية ظهورها لا سيما بعد ذكر الهداية التي هي من روادفها والمراد بهدايته لها كونه بحيث يهتدي إليها من يتمسك به لا تحصيل الاهتداء بالفعل فإنه مخصوص بالمؤمنين حينئذ «ويبشر المؤمنين» بما في تضاعيفه من الأحكام والشرائع وقرئ بالتخفيف «الذين يعملون الصالحات» التي شرحت فيه «أن لهم» أي بأن لهم بمقابلة تلك الأعمال «أجرا كبيرا» بحسب الذات وبحسب التضعيف عشر مرات فصاعدا «وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة» وأحكامها المشروحة فيه من البعث والحساب والجزاء وتخصيصها بالذكر من بين سائر ما كفروا به لكونها معظم ما أمروا بالإيمان به ولمراعاة التناسب بين أعمالهم وجزائها الذي أنبأ عنه قوله عز وجل «اعتدنا لهم عذابا أليما» وهو عذاب جهنم أي اعتدنا لهم فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الآخرة عذابا أليما وهو أبلغ في الزجر لما أن إتيان العذاب من حيث لا يحتسب أفظع وأفجع والجملة معطوفة على جملة يبشر بإضمار يخبر أو على قوله تعالى أن لهم داخلة معه تحت التبشير المراد به مجازا مطلق الأخبار المنتظم للأخبار بالخبر السار وبالنبأ الضار حقيقة فيكون ذلك بيانا لهداية القرآن بالترغيب والترهيب ويجوز كون التبشير بمعناه والمراد تبشير المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم وقوله تعالى «ويدع الإنسان بالشر» بيان لحال المهدي أثر بيان حال الهادي وإظهار لما بينهما من التبيان والمراد بالإنسان الجنس أسند إليه حال بعض أفراده أو حكى عنه حاله في بعض أحيانه فالمعنى على الأول أن القرآن يدعو الإنسان إلى الخير الذي لا خير فوقه من الأجر الكبير ويحذره من الشر الذي لا شر ورائه من العذاب الأليم وهو أي
(١٥٨)