فإن مدار الحل والحرمة ليس إلا أمر الله تعالى فالحكم بالحل والحرمة إسناد للتحليل والتحريم إلى الله سبحانه من غير أن يكون ذلك منه واللام لام العاقبة «إن الذين يفترون على الله الكذب» في أمر من الأمور «لا يفلحون» لا يفوزون بمطالبهم التي ارتكبوا الافتراء للفوز بها «متاع قليل» خبر مبتدأ محذوف أي منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة «ولهم» في الآخرة «عذاب أليم» لا يكتنه كنهه «وعلى الذين هادوا» خاصة دون غيرهم من الأولين والآخرين «حرمنا ما قصصنا عليك» أي بقوله تعالى حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما الآية «من قبل» متعلق بقصصنا أو بحرمنا وهو تحقيق لما سلف من حصر المحرمات فيما فصل بإبطال ما يخالفه من فرية اليهود وتكذيبهم في ذلك فإنهم كانوا يقولون لسنا أول من حرمت عليه وإنما كانت محرمة على نوح وإبراهيم ومن بعدهما حتى انتهى المر إلينا «وما ظلمناهم» بذلك التحريم «ولكن كانوا أنفسهم يظلمون» حيث فعلوا ما عوقبوا به عليه حسبما نعى عليهم قوله تعالى فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم الآية ولقد ألقمهم الحج قوله تعالى كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين روى أنه صلى الله عليه وسلم لما قال لهم ذلك بهتوا ولم يجسروا أن يخرجوا التوراة كيف وقد بين فيها أن تحريم ما حرم عليهم من الطيبات لظلمهم وبغيهم عقوبة وتشديدا أوضح بيان وفيه تنبيه على الفرق بينهم وبين غيرهم في التحريم «ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة» أي بسبب جهالة أو ملتبسين بها ليعم الجهل بالله وبعقابه وعدم التدبر في العواقب لغلبة الشهوة والسوء يعم الافتراء على الله تعالى وغيره «ثم تابوا من بعد ذلك» أي من بعد ما عملوا ما عملوا والتصريح به مع دلالة ثم عليه للتأكيد والمبالغة «وأصلحوا» أي أصلحوا أعمالهم أو دخلوا في الصلاح «إن ربك من بعدها» من بعد التوبة «لغفور» لذلك السوء «رحيم» يثيب على طاعته تركا وفعلا وتكرير قوله تعالى إن ربك لتأكيد الوعد وإظهار كمال العناية بإنجازه والتعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره صلى الله عليه وسلم مع ظهور الأثر في التائبين للإيماء إلى أن إفاضة آثار الربوبية من المغفرة والرحمة عليهم بتوسطه صلى الله عليه وسلم وكونهم من أتباعه كما أشير إليه فيما مر «إن إبراهيم كان أمة» على حياله لحيازته من الفضائل البشرية ما لا تكاد توجد إلا متفرقة في
(١٤٨)