بألطف إشارة لكن الإستدلال بتلك الآيات والدلائل والاستشهاد بتلك الأمارات والمخايل والتنبيه لتلك الإشارات السرية والتفطن لمعاني تلك العبارات العبقرية وما في تضاعيفها من رموز أسرار القضاء والقدر وكنوز آثار التعاجيب والعبر مما لا يطيق به عقول البشر إلا بتوفيق خلاق القوى والقدر فإذن مدار المراد ليس إلا كلام رب العباد إذ هو المظهر لتفاصيل الشعائر الدينية والمفسر لمشكلات الآيات التكوينية والكاشف عن خفايا حظائر القدس والمطلع على خبايا سرائر الأنس وبه تكتسب الملكات الفاخرة وبه يتوصل إلى سعادة الدنيا والآخرة كما وأنه أيضا من علو الشأن وسمو المكان ونهاية الغموض والإعضال وصعوبة المأخذ وعزة المنال في غاية الغايات القاصية ونهاية النهايات النائية أعز من بيض الأنوق وأبعد من مناط العيوق لا يتسنى العروج إلى معارجه الرفيعة ولا يتأتى الرقى إلى مدارجه المنيعة كيف لا وأنه مع كونه متضمنا لدقائق العلوم النظرية والعملية ومنطوبا على دقائق الفنون الخفية والجلية حاويا لتفاصيل الأحكام الشرعية ومحيطا بمناط الدلائل الأصلية والفرعية منبئا عن أسرار الحقائق والنعوت مخبرا بأطوار الملك والملكوت عليه يدور فلك الأوامر والنواهي وإليه يستند معرفة الأشياء كما هي قد نسج على أغرب منوال وأبدع طراز واحتجبت طلعته بسبحات الإعجاز طويت حقائقه الأبية عن العقول وزويت دقائقه الخفية عن أذهان الفحول يرد عيون العقول سبحانه ويخطف أبصار البصائر بريقه ولمعانه ولقد تصدى لتفسير غوامض مشكلاته أساطين أئمة التفسير في كل عصر من الأعصار وتولى لتيسير عويصات معضلاته سلاطين أسرة التقرير والتحرير في كل قطر من الأقطار فغاصوا في لججه وخاضوا في ثبجه فنظموا فرائده في سلك التحرير وأبرزوا فوائده في معرض التقرير وصنفوا كتبا جليلة الأقدار وألفوا زبرا جميلة الآثار أما المتقدمون المحققون فاقتصروا على تمهيد المعاني وتشييد المباني وتبيين المرام وترتيب الأحكام حسبما بلغهم من سيد الأنام عليه شرائف التحية والسلام وأما المتأخرون المدققون فراموا مع ذلك إظهار مزاياه الرائقة وإبداء خباياه الفائقة ليعاين الناس دلائل إعجازه ويشاهدوا شواهد فضله وامتيازه عن سائر الكتب الكريمة الربانية والزبر العظيمة السبحانية فدونوا أسفارا بارعة جامعة لفنون المحاسن الرائعة يتضمن كل منها فوائد شريفة تقر بها عيون الأعيان وعوائد لطيفة يتشنف بها آذان الأذهان لا سيما الكشاف وأنوار التنزيل المتفردان بالشأن الجليل والنعت الجميل فإن كلا منهما قد أحرز قصب السبق أي إحراز كأنه مرآة لاجتلاء وجه الإعجاز صحائفهما مرايا المزايا الحسان وسطورهما عقود الجمان وقلائد العقبان ولقد كان في سوابق الأيام وسوالف الدهور والأعوام أوان اشتغالي بمطالعتهما وممارستهما وزمان انتصابي لمفاوضتهما ومدارستهما يدور في خلدي على استمرار آناء الليل وأطراف النهار أن أنظم درر فوائدهما في سمط دقيق وأرتب غرر فرائدهما على ترتيب أنيق وأضيف إليها ما ألفيته في تضاعيف الكتب الفاخرة من جواهر الحقائق وصادفته في أصداف العيالم الزاخرة من زواهر الدقائق وأسلك خلالها بطريق الترصيع على نسق أنيق وأسلوب بديع حسبما يقتضيه جلالة شأن التنزيل ويستدعيه جزالة نظمه الجليل ما سنح الفكر العليل بالعناية الربانية وسمح به
(٤)