غلب عليه بحيث لا يطلق على غيره أصلا صار كالعلم ويرده امتناع الوصف به واعلم ان المراد بالمنكر في كلمة التوحيد هو المعبود بالحق فمعناها لافراد من افراد المعبود بالحق الا ذلك المعبود بالحق وقيل أصله لاها بالسريانية فعرب بحذف الألف الثانية وادخال الألف واللام عليه وتفخيم لامه إذا لم ينكسر ما قبله سنة وقيل مطلقا وحذف الفه لحن تفسد به الصلاة ولا ينعقد به صريح اليمين وقد جاء لضرورة الشعر في قوله الا لا بارك الله في سهيل إذا ما الله بارك في الرجال «الرحمن الرحيم» صفتان مبنيتان من رحم بعد جعله لازما بمنزلة الغرائز بنقله إلى رحم بالضم كما هو المشهور وقد قيل ان الرحيم ليس بصفة مشبهة بل هي صيغة مبالغة نص عليه سيبويه في قولهم هو رحيم فلانا والرحمة في اللغة رقة القلب والانعطاف ومنه الرحم لانعطافها على ما فيها والمراد ههنا التفضل والإحسان وإرادتهما بطريق إطلاق اسم السبب بالنسبة إلينا على مسببه البعيد أو القريب فإن أسماء الله تعالى تؤخذ باعتبار الغايات التي هي افعال دون المبادئ التي هي انفعالات والأول من الصفات الغالبة حيث لم يطلق على غيره تعالى وانما امتنع صرفه الحاقا له بالأغلب في بابه من غير نظر إلى الاختصاص العارض فإنه كما حظر وجود فعلى حظر وجود فعلانة فاعتباره يوجب اجتماع الصرف وعدمه فلزم الرجوع إلى أصل هذه الكلمة قبل الاختصاص بان تقاس إلى نظائرها من باب فعل يفعل فإذا كان كلها ممنوعة من الصرف لتحقق وجود فعلى فيها علم أن هذه الكلمة أيضا في أصلها مما تحقق فيها وجود فعلى فتمنع من الصرف وفيه من المبالغة ما ليس في الرحيم ولذلك قيل يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا وتقديمه مع كون القياس تأخيره رعاية لأسلوب الترقي إلى الاعلى كما في قولهم فلان عالم نحرير وشجاع باسل وجواد فياض لأنه باختصاصه به عز وجل صار حقيقا بأن يكون قرينا للاسم الجليل الخاص به تعالى ولان ما يدل على جلائل النعم وعظائمها وأصولها أحق بالتقديم مما يدل على دقائقها وفروعها وافراد الوصفين الشريفين بالذكر لتحريك سلسلة الرحمة «الحمد لله» الحمد هو النعت بالجميل على الجميل اختياريا كان أو مبدأ له على وجه يشعر ذلك بتوجيهه إلى المنعوت وبهذه الحيثية يمتاز عن المدح فإنه خال عنها يرشدك إلى ذلك ما ترى بينهما من الاختلاف في كيفية التعلق بالمفعول في قولك حمدته ومدحته فإن تعلق الثاني بمفعوله على منهاج تعلق عامة الافعال بمفعولاتها واما الأول فتعلقه بمفعوله منبىء عن معنى الإنهاء كما في قولك كلمته فإنه معرب عما يقيده لام التبليغ في قولك قلت له ونظيره وشكرته وعبدته وخدمته فإن تعلق كل منها منبىء عن المعنى المذكور وتحقيقه ان مفعول كل فعل في الحقيقة هو الحدث الصادر عن فاعله ولا يتصور في كيفية تعلق الفعل به أي فعل كان اختلاف أصلا واما المفعول به الذي هو محله وموقعه فلما كان تعلقه به ووقوعه عليه على انحاء مختلفة حسبما يقتضيه خصوصيات الافعال بحسب معانيها المختلفة فإن بعضها يقتضي ان يلابسه ملابسة تامة مؤثرة فيه كعامة الافعال وبعضها يستدعي ان يلابسه أدنى ملابسة اما بالانتهاء اليه كالإعانة مثلا أو بالابتداء منه كالإستعانة مثلا اعتبر في كل نحو من انحاء تعلقه به كيفية لائقة بذلك النحو مغايرة لما اعتبر في النحوين الأخيرين فنظم القسم الأول من التعلق في سلك التعلق بالمفعول الحقيقي مراعاة لقوة الملابسة وجعل كل واحد من القسمين الأخيرين
(١١)