في الكلام وهو الذي اقتضى تقديم الحال أيضا وقيل هو المفعول الثاني «واليتامى» أي المحاويج منهم على ما يدل عليه الحال وتقديم ذوى القربى عليهم لما أن إيتاءهم صدقة وصلة «والمساكين» جمع مسكين وهو الدائم السكون لما أن الخلة أسكنته بحيث لا حراك به أو دائم السكون إلى الناس «وابن السبيل» أي المسافر سمى به لملازمته إياه كما سمى القاطع ابن الطريق وقيل الضيف «والسائلين» الذين ألجأتهم الحاجة والضرورة إلى السؤال قال عليه الصلاة والسلام أعطوا السائل ولو على فرس «وفي الرقاب» أي وضعه في فك الرقاب بمعاونه المكاتبين حتى يفكوا رقابهم وقيل في فك الأسارى وقيل في ابتياع الرقاب وإعتاقها وأيا ما كان فالعدول عن ذكرهم بعنوان مصحح للمالكية كالذين من قبلهم إما للإيذان بعدم قرار ملكهم فيما أوتوا كما في الوجهين الأولين أو بعدم ثبوته رأسا كما في الوجه الأخير وإما للإشعار برسوخهم في الاستحقاق والحاجة لما أن في للظرفية المنبئة عن محليتهم لما يؤتى «وأقام الصلاة» أي المفروضة منها «وآتى الزكاة» أي المفروضة على أن المراد بما مر من إيتاء المال التنفل بالصدقات قدم على الفريضة مبالغة في الحث عليه أو المراد بهما المفروضة والأول لبيان المصارف والثاني لبيان وجوب الأداء «والموفون بعهدهم» عطف على من آمن فإنه في قوة أن يقال ومن أوفوا بعهدهم وإيثار صيغة الفاعل للدلالة على وجوب استمرار الوفاء والمراد بالعهد مالا يحرم حلالا ولا يحلل حراما من العهود الجارية فيما بين الناس وقوله تعالى «إذا عاهدوا» للإيذان بعدم كونه من ضروريات الدين «والصابرين» نصب على الاختصاص غير سبكه عما قبله تنبيها على فضيلة الصبر ومزيته وهو في الحقيقة معطوف على ما قبله قال أبو علي إذا ذكرت صفات للمدح أو للذم فخولف في بعضها الإعراب فقد خولف للافتنان ويسمى ذلك قطعا لأن تغيير المألوف يدل على زيادة ترغيب في استماع المذكور ومزيد اهتمام بشأنه كما مر في صدر السورة وقد قرئ والصابرون كما قرىء والموفين «في البأساء» أي في الفقر والشدة «والضراء» أي المرض والزمانة «وحين البأس» أي وقت مجاهدة العدو في مواطن الحرب وزيادة الحين للإشعار بوقوعه أحيانا وسرعة انقضائه «أولئك» إشارة إلى المذكورين باعتبار اتصافهم بالنعوت الجميلة المعدودة وما فيه من معنى البعد لما مر مرارا من التنبيه على علو طبقتهم وسمو رتبتهم «الذين صدقوا» أي في الدين واتباع الحق وتحرى البر حيث لم تغيرهم الأحوال ولم تزلزلهم الأهوال «وأولئك هم المتقون» عن الكفر وسائر الرذائل وتكرير الإشارة لزيادة تنويه شأنهم وتوسيط الضمير للإشارة إلى انحصار التقوى فيهم والآية الكريمة كما ترى حاوية لجميع الكمالات البشرية برمتها تصريحا أو تلويحا لما أنها مع تكثر فنونها وتشعب شجونها منحصرة في خلال ثلاث صحة الاعتقاد وحسن المعاشرة مع العباد وتهذيب النفس وقد أشير إلى الأولى بالايمان بما فصل وإلى الثانية بإيتاء المال وإلى الثالثة بإقامة الصلاة الخ ولذلك وصف الحائزون لها بالصدق نظرا إلى إيمانهم واعتقادهم وبالتقوى اعتبارا بمعاشرتهم مع الخلق ومعاملتهم مع الحق وإليه يشير قوله صلى الله عليه وسلم من
(١٩٤)