وصية العافي بالمسامحة ومطالبة الدية بالمعروف من غير تعسف وقوله عز وجل «وأداء إليه بإحسان» حث المعفو عنه على أن يؤديها بإحسان من غير مما طلة وبخس «ذلك» أي ما ذكر من الحكم «تخفيف من ربكم ورحمة» لما فيه من التسهيل والنفع وقيل كتب على اليهود القصاص وحده وحرم عليهم العفو والدية وعلى النصارى العفو على الإطلاق وحرم عليهم القصاص والدية وخبرات هذه الأمة بين الثلاث تيسيرا عليهم وتنزيلا للحكم على حسب المنازل «فمن اعتدى بعد ذلك» بأن قتل غير القاتل بعد ورود هذا الحكم أو قتل القاتل بعد العفو أو أخذ الدية «فله» باعتدائه «عذاب أليم» أما في الدنيا فبالاقتصاص بما قتله بغير حق وأما في الآخرة فبالنار «ولكم في القصاص حياة» بيان لمحاسن الحكم المذكور على وجه بديع لا تناله غايته حيث جعل الشئ محلا لضده وعرف القصاص ونكر الحياة ليدل على أن في هذا الجنس نوعا من الحياة عظيما لا يبلغه الوصف وذلك لأن العلم به يردع القاتل عن القتل فيتسبب لحياة نفسين ولأنهم كانوا يقتلون غير القاتل والجماعة بالواحد فتثور الفتنة بينهم فإذا اقتص من القاتل سلم الباقون فيكون ذلك سببا لحياتهم وعلى الأول فيه إضمار وعلى الثاني تخصيص وقيل المراد بالحياة هي الأخروية فإن القاتل إذا اقتص منه في الدنيا لم يؤاخذ به في الآخرة والظرفان إما خبران لحياة أو أحدهما خبر والآخر صلة له أو حال من المستكن فيه وقرئ في القصص أي فيما قص عليكم من حكم القتل حياة أو القرآن حياة للقلوب «يا أولي الألباب» أي ذوى العقول الخالصة عن شوب الأوهام خوطبوا بذلك بعد ما خوطبوا بعنوان الإيمان تنشيطا لهم إلى التأمل في حكمة القصاص «لعلكم تتقون» أي تقون أنفسكم من المساهلة في أمره والإهمال في المحافظة عليه والحكم به والإذعان أو في القصاص فتكفوا عن القتل المؤدى إليه «كتب عليكم» بيان لحكم آخر من الأحكام المذكورة «إذا حضر أحدكم الموت» أي حضر أسبابه وظهر أماراته أو دنا نفسه من الحضور وتقديم المفعول لإفادة كمال تمكن الفاعل عند النفس وقت وروده عليها «إن ترك خيرا» أي مالا وقيل مالا كثيرا لما روى عن علي رضي الله عنه أن مولى له أراد أن يوصى وله سبعمائة درهم فمنعه وقال قال الله تعالى إن ترك خيرا وإن هذا لشئ يسير فاتركه لعيالك وعن عائشة رضي الله عنها أن رجلا أراد الوصية وله عيال وأربعمائة دينار فقالت ما أرى فيه فضلا وأراد آخر أن يوصى فسألته كم مالك فقال ثلاثة آلاف درهم قالت كم عيالك قال أربعة قالت إنما قال الله تعالى إن ترك خيرا وإن هذا لشئ يسير فاتركه لعيالك «الوصية للوالدين والأقربين» مرفوع بكتب أخر عما بينهما لما مر مرار وإيثار تذكير الفعل مع جواز تأنيثه أيضا للفعل أو على تأويل أن يوصى أو الإبصار ولذلك ذكر الضمير في قوله تعالى فمن بدله بعد ما سمعه وإذا ظرف محض والعامل فيه كتب لكن لامن حيث
(١٩٦)